والآية هنا تذكر أنّ أغلب الاجتماعات السرّية التي يعقدها أولئك تهدف إلى غايات شيطانية شريرة لا خير فيها ولا فائدة ، إذ تقول : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ).
ولكي لا يحصل وهم من أن كل نجوى أو همس أو اجتماع سري يعتبر عملا مذموما أو حراما جاءت الآية بأمثال كمقدمة لبيان قانون كلي ، وأوضحت الموارد التي تجوز فيها النجوى ، مثل أن يوصي الإنسان بصدقة أو بمعونة للآخرين أو بالقيام بعمل صالح أو أن يصلح بين الناس ، فتقول الآية في هذا المجال : (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ).
فإذا كان هذا النوع من النجوى أو الهمس أو الاجتماعات السرّية لا يشوبه الرياء والتظاهر ، بل كان مخصصا لنيل مرضاة الله ، فإنّ الله سيخصص لمثل هذه الأعمال ثوابا وأجرا عظيما ، حيث تقول الآية : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً).
وقد عرف القرآن النجوى والهمس والاجتماعات السرّية ـ من حيث المبدأ ـ بأنّها من الأعمال الشّيطانية ، في قوله تعالى : (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ ...) (١) والسبب هو أنّ هذه الأعمال غالبا ما تحدث لأغراض سيئة ، وحيث أنّ عمل الخير والشيء النافع والإيجابي لا يحتاج في العادة إلى أن يكون ـ أو يبقى ـ سرّيا أو مكتوما عن الناس ، ولذلك فلا حاجة بالتحدث عن مثل هذه الأعمال بالهمس والنجوى ، أو في اجتماعات سرّية.
ولمّا كان من المحتمل أن تطرأ ظروف استثنائية تجبر الإنسان على الاستفادة من أسلوب النجوى في أعمال الخير ، لذلك ورد الاستثناء بصورة مكررة في القرآن ، كما في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا
__________________
(١) المجادلة ، ١٠.