تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى ...) (١).
والنجوى إذا حصلت ابتداء في جمع من الناس ، أثارت لديهم سوء الظّن حيالها، حتى أنّ سوء الظن قد يبدر من الأصدقاء حيال النجوى التي تحصل بينهم ، وعلى هذا الأساس فإنّ الأفضل أن لا يبادر الإنسان إلى النجوى إلّا إذا اقتضت الضرورة ذلك ، وهذه هي فلسفة هذا الحكم الوارد في القرآن.
وبديهي أنّ سمعة الإنسان تستلزم ـ أحيانا ـ اتباع أسلوب النجوى ، ومن جملة هذه الموارد تأتي مسألة الصدقات أو المعونات المالية ، التي أجاز القرآن استخدام النجوى بشأنها لحفظ ماء الوجه وسمعة الأشخاص الذين يتلقون هذه المعونات.
والمجال الآخر للنجوى هو عند الأمر بالمعروف ، حيث أنّ هذا الأمر لو تمّ أحيانا بصورة علنية لأصبح سببا في فضيحة أو خجل الشخص المخاطب بالمعروف بين الناس الحاضرين ، وقد يصبح سببا في أن يمتنع عن قبول ذلك ويقاوم هذا الأمر الذي عبّرت عنه الآية بالمعروف.
والحالة الأخرى التي يجوز فيها النجوى هي في مجال الإصلاح بين الناس ، الذي يقتضي أن يكون سريا أحيانا لضمان تحقيقه ، إذ من الممكن لو أنّ الأمر تمّ بصورة علنية لحال دون حدوث الإصلاح ، لذلك يجب أن يتمّ الإصلاح بالتحدث إلى كل طرف من أطراف النزاع بصورة خفية ، أي بطريق النجوى.
إذن فالنجوى جائزة وقد تكون ضرورية في الحالات الثلاث التي مر الحديث عنها،وكذلك في حالات مشابهة.
والملفت للنظر في الحالات الثلاث المذكورة أعلاه هو أنّها تأتي كلها ضمن معنى «الصدقة» وذلك لأنّ من يأمر بالمعروف إنّما يدفع زكاة علمه ، ومن يسعى في إصلاح ذات البين يدفع بذلك زكاة قدرته ومنزلته المؤثرة في الناس.
__________________
(١) المجادلة ، ٩.