إنّ هذا النقش الساحر الآسر للقلوب ، المبثوث في كل ناحية من نواحي هذا الكون العريض يشدّ إلى نفسه فؤاد كلّ لبيب وعقله شدّا ـ يجعله يتذكر خالقه ، في جميع الحالات،قائما أو قاعدا ، وحين يكون في فراشه نائما على جنبه ، ولهذا يقول سبحانه : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) أي أنّهم مستغرقون كامل الاستغراق في التفكير الحيوى حول هذا الكون الرائع ونظامه البديع ومبدعه ، ومبديه.
ولقد أشير ـ في هذه الآية ـ إلى الذكر أوّلا ، ثمّ إلى الفكر ثانيا ، ويعني ذلك أن ذكر الله وحده لا يكفي ، إنّ الذكر إنّما يعطي ثماره القيّمة إذا كان مقترنا بالفكر ، كما أنّ التفكر في خلق السماء والأرض هو الآخر لا يجدي ولا يوصل إلى النتيجة المتوخاة ما لم تقترن عملية التفكر بعملية التذكر ، وبالتالي لا يقرن الفكر بالذكر.
فما أكثر العلماء الذين يقفون ـ في تحقيقاتهم الفلكية والفضائية ـ على مظاهر رائعة من النظام الكوني البديع ، ولكنّهم حيث لا يتذكرون الله ولا ينظرون إلى كل هذه المظاهر بمنظار الموحد الفاحص ، بل ينظرون إليها من الزاوية العلمية المجردة البحتة ، فإنّهم لا يقطفون من هذه التحقيقات ما يترتب عليها من النتائج التربوية والآثار الإنسانية ، ومثلهم في ذلك مثل من يأكل طعاما ليقوى به جسمه فلا يكون لما يأكله أي أثر في تقوية فكره وروحه.
إنّ التفكير في أسرار الخليقة ، وفي نظام السماء والأرض يعطي للإنسان وعيا خاصّا ويترك في عقله آثارا عظيمة ، وأوّل تلك الآثار هو الانتباه إلى هدفية الخلق وعدم العبثية فيه،فالإنسان الذي يلمس الهدفية في أصغر أشياء هذا الكون كيف يمكنه أن يصدق بأنّ الكون العظيم بأسره مخلوق من دون هدف ، ومصنوع من دون غاية؟
لو أنّنا نظرنا في تركيبة نبتة معينة للاحظنا أهدافا واضحة فيها ، وهكذا نلاحظ مثل تلك الأهداف في قلب الإنسان وما فيه من حفر ، وصمامات ، وأبواب