وبطون ، فكلّ شيء فيه مخلوق لغاية ، ومجعول لهدف ، وكذا الحال في طبقات العين ، بل وحتى الأجفان ، والأظافر ، كل واحد منها يؤدي دورا ، ويحقق غاية ، فهل يمكن أن يكون لهذه الأجزاء الصغيرة جدا بالنسبة للكون العظيم أهداف واضحة وغايات ملحوظة ، ولا يكون لمجموعه المتمثل في الظاهرة الكونية الهائلة العظيمة أي هدف مطلقا؟ (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً).
إنّ العقلاء لا يمكنهم وهم يواجهون هذه الحقيقة الساطعة إلّا أن يقولوا بخشوع هذه الجملة : (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ) أي ربّنا إنّك لم تخلق هذا العالم العظيم،وهذا الكون الذي لا يعرف له حدّ ، وهذا النظام المتقن البديع الّا على أساس الحكمة والمصلحة ، ولهدف صحيح ، فكل هذا آية وحدانيتك ، وكل هذا ينزّهك عن اللغو والعبث.
إن أصحاب العقول السليمة الواعية بعد أن يعترفوا بالهدفية في الخليقة يتذكرون أنفسهم فورا ، وكيف يعقل أن يكونوا ـ وهم ثمرة هذا الموجود نفسه وهذا الكون بالذات ـ قد خلقوا سدى ، أو جاؤوا إلى هذه الحياة عبثا ، وأنّه ليس هناك من هدف سوى تربيتهم وتكاملهم!!
إنّهم لم يأتوا إلى هذه الحياة لأجل أن يعيشوا فيها أيّاما سرعان ما تفنى وتنقضي،فذلك أمر لا يستحق كلّ هذا العناء والتعب كما لا يليق بمكانة الإنسان ولا يتناسب مع حكمة الله العليا ، بل هناك دار اخرى تنتظرهم حيث يجدون فيها جزاء أعمالهم، أن خيرا فخير ، وإن شرّا فشر ، وفي هذه اللحظة ينتبهون إلى مسئولياتهم، ويسألون الله التوفيق للقيام بها حتى يتجنبوا عقابه ، ولهذا يقول : (فَقِنا عَذابَ النَّارِ) ثمّ يقول : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ...). ويستفاد من هذه العبارات أنّ العقلاء يخافون من الخزي قبل أن يخافوا من نار جهنم،وهذا هو حال كل من يمتلك شخصية ، فإنّه مستعد لأن يتحمل كلّ شيء من الأذى والمحن شريطة أن يحافظ على شخصيته ، ولهذا فإن أشدّ