فرجعنا جريحين ، فلما أذن مؤذن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالخروج في طلب العدو قلنا :لا تفوتنا غزوة مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم، فو الله ما لنا دابة نركبها وما منّا إلا جريح ثقيل، فخرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكنت أيسر جرحا من أخي ، فكنت إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة حتى انتهينا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى «حمراء الأسد».
فلما بلغ هذا الخبر أبا سفيان وأدرك صمود المسلمين ، والذي تجلّى في اشتراك الجرحى والمصابين خاف وأرعب ، ولعله ظن أنه أدركت المسلمين قوّة جديدة من المقاتلين وأتاهم المدد.
هذا وقد حدثت في هذا الموضع حادثة زادت من إضعاف معنوية المشركين ، وألقت مزيدا من الوهن في عزائمهم ، وهي أنه : مرّ برسول الله «معبد الخزاعي» وهو يومئذ مشرك، فلما شاهد النّبي وما عليه هو وأصحابه من الحالة تحركت عواطفه وجاشت ، فقال للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا محمّد والله لقد عزّ علينا ما أصابك في قومك وأصحابك ، ولوددنا أن الله كان أعفاك فيهم ، ثمّ خرج من عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى لقى أبا سفيان ومن معه بالرّوحاء وقد أجمعوا الرّجعة إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلمّا رأى أبو سفيان معبدا قال : ما وراك يا معبد؟ قال : محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر قط مثله يتحرقون عليكم تحرقا ، وقد اجتمع عليه من كان تخلف عنه في يومكم ، وندموا على صنيعهم ، وفيه من الحنق عليكم ما لم أر مثله قط.
قال أبو سفيان : ويلك ما تقول؟ قال معبد : «فأنا والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل».
قال أبو سفيان : فو الله لقد أجمعنا الكرّة عليهم لنستأصلهم.
قال معبد : فأنا والله أنهاك عن ذلك.
فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه وقفل راجعا ومنسحبا إلى مكّة بسرعة ، وحتى يتوقف المسلمون عن طلبه وملاحقته ويجد فرصة كافية للانسحاب قال