لجماعة من بني عبد قيس كانوا يمرون من هناك قاصدين المدينة لشراء القمح : «أخبروا محمّدا إنا قد أجمعنا الكرّة عليه وعلى أصحابه لنستأصل بقيتهم» ثمّ انصرف إلى مكّة.
ولما مرّت هذه الجماعة برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو بحمراء الأسد أخبره بقول أبي سفيان،فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «حسبنا الله ونعم الوكيل» وبقي هناك ينتظر المشركين ثلاثة أيّام ، فلم ير لهم أثرا فانصرف إلى المدينة بعد الثالثة. والآيات الحاضرة تشير إلى هذه الحادثة وملابساتها (١) يقول سبحانه : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ).
ويتبيّن من تخصيص جماعة معينة بالأجر العظيم في هذه الآية أنه كان هناك بينهم من لم يملك الإخلاص الكامل ، كما يمكن أن يكون التعبير بـ «منهم» إشارة إلى أن بعض المقاتلين في أحد امتنعوا ببعض الحجج عن تلبية نداء الرّسول والإسهام في هذه الحركة.
ثمّ أنّ القرآن الكريم يبيّن إحدى العلائم الحيّة لاستقامتهم وثباتهم إذ يقول : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).
والمعنيون بالناس في قوله : (قالَ لَهُمُ النَّاسُ) هم ركب عبد القيس ، أو نعيم بن مسعود الذي جاء بهذا الخبر على رواية اخرى.
ثمّ بعد ذكر هذه الاستقامة الواضحة وهذا الإيمان البارز يذكر القرآن الكريم نتيجة عملهم إذ يقول : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) وأية نعمة وأي فضل أعظم وأعلى من أن ينهزم الأعداء الخطرون أمامهم من دون أي صدام أو لقاء ويعود هؤلاء المقاتلون إلى المدينة سالمين.
يبقى أن نعرف أن الفرق بين النعمة والفضل ، يمكن أن يكون بأن النعمة هي
__________________
(١) نور الثقلين ومجمع البيان ، وتفسير المنار وكتب اخرى.