ولا غرابة في أن يتعلم إنسان شيئا من طير من الطيور ، فالتاريخ والتجربة يدلان على أنّ للكثير من الحيوانات مجموعة من المعلومات الغريزية تعلمها منها البشر على طول التاريخ ، مكملا بذلك معلوماته ومعارفه ، وحتى بعض الكتب الطبيّة تذكر أنّ الإنسان مدين في جزء من معلوماته الطيبة للحيوانات! ثمّ تشير الآية الكريمة إلى أنّ قابيل استاء من غفلته وجهله ، فأخذ يؤنب نفسه كيف أصبح أضعف من الغراب فلا يستطيع دفن أخيه مثله،فتقول الآية : (قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي ...).
وكانت العاقبة أن ندم قابيل على فعلته الشنيعة كما تقول الآية : (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ).
فهل كان ندمه على جريمته ، خوفا من افتضاح أمره أمام أبويه؟ أو ربّما أخوته الآخرين الّذين كانوا سيلومونه على فعلته؟ أم أنّ ندمه كان إشفاقا على نفسه ، لأنه حمل جسد أخيه القتيل لفترة دون أن يعلم ما ذا يفعل به أو كيف يدفنه؟
أم كان سبب الندم هو ما يشعر به الإنسان ـ عادة ـ من قلق واستياء بعد ارتكاب كل عمل قبيح؟
مهما كانت أسباب الندم ودوافعه لدى «قابيل» فذلك لا يعني أنّه تاب من فعلته وجريمته التي ارتكبها ، فالتوبة معناها أن لا يعاود الإنسان المذنب تكرار الذنب ، خوف من الله واستقباحا للذنب ، ولم يشر القرآن الكريم إلى صدور مثل هذه التوبة عن «قابيل»،وقد تكون الآية التالية إشارة إلى عدم صدور التوبة عنه.
ورد في حديث عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : «لا تقتل نفس ظلما إلّا كان على ابن آدم الأوّل كفل من دمها لأنّه كان أوّل من سن القتل» (١).
__________________
أراد أن يري «قابيل» كيف يدفن أخاه ، وذلك احتراما لـ «هابيل» ويحتمل أن يكون الغراب هو الفاعل في الجملة المذكورة.
(١) مسند أحمد بن حنبل كما جاء في تفسير «في ضلال القرآن» ، ج ٢ ، ص ٧٠٣ ، في تفسير الآية.