[٤٨] شيئا من أياديه وحسن خدمته.
وحدث أن حضر بختيشوع (١) الطبيب في حضرة الخليفة ، وأعلن عن احتياجه للفلفل الأبيض ، لعلاجه ، فاستدعى الخليفة حمويه للمثول في حضرته ، والوقوف خاشعا قرب سدّته ، وقال له ، أيها الدّهقان نحن بحاجة للفلفل الأبيض ، وإحضاره فرض عليك ، كي لا ينقص من ضيافتك لنا شيء.
ذهب حمويه وهو في حيرة من أمره إلى بيته ، وكان له بنت عاقلة ، فعرض الأمر عليها ، وكان لتلك الفتاة عقد لؤلؤ على جيدها كل حبة فيها تامة الوزن من اللؤلؤ الرطب القطري الذي وزن الحبّة الكبيرة منه تزن مثقالا ، والعمانيّ الذي قيمة حبته تعادل نصف قيمة القطري ، واللؤلؤ المقعد وخماناخ (٢) ، والأصفر القطري (٣) المدحرج واللازك والورديّ والمضرّس واللباني مما لم يشاهد مثله. فقطعت البنت عقدها هذا ووضعته في طبق وأعطته إلى أبيها قائلة : اذهب إلى الخليفة وبعد التمهيد وتقديم الاعتذار قل له : لقد كان في بيتنا فلفل أبيض ، لكن لما حل ظل راية الخليفة على هذه البقاع ، وتحول الليل إلى نهار ، وهزم الإقبال الإدبار ، تحول الفلفل الأبيض إلى لؤلؤ قطري رطب. حفظ حمويه وصية ابنته وذهب إلى الخليفة الذي رحب به وقال :
إذا الله سنّى عقد شيء تيسّرا (٤)
__________________
(١) بختيشوع بن جبرئيل بن بختيشوع بن جرجس : طبيب سرياني الأصل مستعرب قربه الخلفاء العبّاسيّون توفي سنة ٢٥٦ ه (الأعلام ، ٢ / ٤٤).
(٢) في الأصول : صماناخ ، والتصويب من الجماهر (٣٥٧) ، وذكر البيروني نقلا عن حمزة الأصفهانيّ أن أصل الكلمة هو همانا وأنها عربت إلى خماناخ.
(٣) نسبة إلى بلاد قطر (الجماهر ، ٢٣٩ ، عن اللؤلؤ الوردي والمضرس انظر : ص ١٢٠ ، ٢١٤) ، أما اللازك فلم نهتد إليه.
(٤) صدره : «فلا تعجلن واستغور الله إنه» ، وفي رواية : «وأعلم علما ـ ليس بالظن ـ أنه» ، وقال ابن منظور : إن الزجاجي ذكره في أماليه. وسنّاه : فتحه وسهّله (لسان العرب مادة : غور ، سنا).