سنة سبع عشرة وثلاث مئة ، وما زال أثر من تلك العمارة باقيا إلى الآن ، أما بناء منارته ، فقد أعطى السهم الأول من تكاليفها ـ وقدره ألف درهم ـ الشيخ أميرك الكاتب ، إلى الشيخ أبي نعيم أحمد بن علي (١) ، الذي تكفل بإعطاء الباقي من ماله الخاص ، وصك التسليم ، وورقة الحوالة المذكوران هما الآن عندي ، وكان إعطاء الشيخ أميرك المال المذكور في سنة أربع وأربعين وثلاث مئة ، ثم إن المنارة المذكورة سقطت مرة أخرى بعد ذلك في الزلزال الذي حدث عام أربع وأربعين وأربع مئة.
وكان بدء عمارة تلك المنارة ، أنهم بنوها حتى وصلوا بها إلى الحجرة ، ثم تركوها عاما كاملا ، وقيل إن السبب في ذلك ، أنهم أرادوا للمنارة أن تستقر وترسخ طيلة هذه السنة ، ولا يظهر فيها الخلل.
وقد قام الشيخ أميرك النّزلاباديّ في سنة أربع وستين وأربع مئة بتشجير المسجد ؛ وكان فضاؤه مفتوحا قبل هذا ، فأتم الشيخ أميرك [٥١] على هذه الهيئة عمرانه.
وكان الأمير أبو الفوارس شاه ملك بن علي البرّانيّ ، في بداية دولة آل سلجوق ، قد هاجم القصبة ـ قصبة سبزوار ـ بجيش جرار ، وأشعل فيها نيران الحرب ، وقد رأيت بنفسي أولئك الشيوخ الذي شهدوا تلك الحرب ، فذكروا أن شيخا له مئة عام من العمر يدعى أبو عليك الحذّاء ، ذهب مرة حافيا لقضاء حاجته ، وكان أحد العساكر التّرك كامنا برمحه الخطّيّ ، فرمى ذلك الشيخ برمحه ، فأصاب قدمه ، فهبّ الشيخ واقفا ، ولشدة فزعه ، سقط على الأرض ، فانكسر الرمح إلى قطعتين في قدمه ، فأمسك القطعة المكسورة وبقية الرمح ، وكرّ على التّركيّ الذي هرب إلى شاه ملك ، وشرح له ما وقع ، فقال شاه ملك ، إن أرضا يركل فيها شيخ عمره مئة عام رمحا خطيا فيكسره ، لا يمكن أخذها بالحرب ، وعاد يائسا دون أن يصل إلى هدفه :
__________________
(١) سيأتي التعريف بهما لاحقا.