الإفطار ، أحضروا الشيخ أبا الحسن البندار ، فجلس وقد عزل نفسه إثر ما لاقاه من المشقة ، مانعا نفسه من تناول الطعام.
واتفق أن التفت إليه سوري ، فقال أيها الشيخ! إن الصفاء على الإفطار شرط في رمضان ، فرد الشيخ أبو الحسن : لم يبق مجال للغذاء ، لأن الطبيعة والمزاج متلاشيان ، والقلب محترق ، والحيرة قد استولت على الفكر ، ثم ما حاجتي إلى الغذاء ولم يبق لي إلا الوقت القليل للوصول إلى الآخرة؟ وزاد الآخرة ليس الطعام والشراب ، بل الإيمان والعمل الصالح والتوبة والإنابة ، إن كل الذي جمعته طيلة حياتي ، قد أخذته مني لأجل سد النقص الحاصل في الأموال المنكسرة ، كما تريد منّي خمسين ألف درهم ، وأنا ليست لي القدرة على جمعها وأدائها ، بل إنه مما لا يقدر سعي الناس عليه :
ومن لم ير الإيثار لم يشتهر له |
|
فعال ولم يبعد بسؤدده ذكر |
وإن الذي أعطي عقله ثمرة التمييز ، ووجهه النور المتلألئ وأفعاله علامة الرئاسة ، يعذرني من تناول الطعام :
لو كنت تعلم ما شجوي وما شجني |
|
رقّت عليّ حواشي قلبك الخشن |
فنادى سوري بفظاظة طبعه وغلظته على الدواتي أن يحضر الخريطة (١) ، فقابل الدواتي الأمر بالانقياد والامتثال ، فمزق سوري من تلك القبالة مقدار عشرين ألف درهم [٨٢] ورمى الورقة أمام الشيخ أبي الحسن وقال : إن هذا المبلغ لا يستحق من الرجل الامتناع عن الطعام ، وإن أحرم أنا من مؤاكلته.
فقال الشيخ أبو الحسن : يا عميد خراسان! لقد زينت وجه العظمة بنور كرمك ، ونشرت بالمحامد والمآثر سماء المعالي ، وكانت مناقبك النجوم الثواقب لدروع الأيام :
ولبست منك مواهبا منشورة |
|
لو كنّ في فلك لكنّ نجوما |
__________________
(١) الخريطة : وعاء من جلد أو نحوه يشد على ما فيه من صحف ونحوها (معجم لغة الفقهاء ، ١٩٥) ، وتعني الإضبارة. والدواتي من يحمل الدواة وتعني الكاتب.