وجعلت تلك الليلة ليلة عيد سعيد بالأمل الواسع والقلب الجذلان.
وفي يوم آخر قررت عرض المسألة على الوزير ، وذهبت إلى الديوان ووقفت بحيث تراني عين الوزير ، فتأمل فيّ الوزير ساعة ثم طأطأ رأسه ، فقلت صارت المعرفة نكرة :
نسيتم أخلائي عهودي كأننا |
|
على جبلي نعمان لم نتجمّع |
وأردت العودة ، إلا أن أحد الخدم جاء وأخذني إلى البيت الخاص بالوزير ، الذي ما أن انتهى من عمله حتى جاء وأظهر لي ما كان ينبغي من الإكرام وقال :
تذكّر ليلى وعهدا قديما |
|
وملكا كبيرا وفوزا عظيما |
وقال سقى الله عهدا تولّى |
|
فأبلى شبابا وأفنى نعيما |
زمانا كألفاظ سعدى صحيحا |
|
فعاد كألحاظ ليلى سقيما |
وعرضت عليه المسألة ، فقال : غدا ، عندما تتلألأ الشمس بأشعتها الذهبية ، وتعود شياطين الظلمة إلى سجن الأرض ، ويأتي الشيخ سوري إلى الديوان ليخدم الحق ، فتعال أنت على أثره ، لكي يصيبك منه الإكرام والإنعام الذي تستحقه ، وأشكره ـ الوزير سوري ـ بلغة يعجز عن بلوغ نهايتها وغايتها البنان والبيان ، ولا تصل القدرة الإنسانية والاستطاعة البشرية إلى درك جملها وتفصيلها [٨٣] لأن شكر شجرة البستان ، ثمرته المزيد من الإحسان ، وسوري في يومنا هذا هو من أشد الناس فقرا في هذه الدولة التي شارفت على نهايتها ، ولا يمكن مخاطبته بلغة الزجر والتأديب.
فقال الشيخ أبو الحسن : فعملت طبق وصيته ، ونظمت درر عقد ذلك الشكر ، فلما خرج سوري قال لي : أيها الشيخ! أ تشكر نعمة لم أنعم عليك بها بعد؟ فأية حالة عجيبة ، وصفة بديعة هذه؟
أسأنا إليكم ثم أنتم شكرتم |
|
إساءتنا ، هذا لديّ عجيب |
وإن امرءا يهدي إليك كرامة |
|
وبرا ويرعى حقكم لمصيب |