الدولة [البويهيّ] ، وجعله السلطان محمود بن سبكتكين عند ما استولى على بلاد الري كاتبا ، وقد عمر طويلا ـ إلى جدي هذا رسالة أجاب فيها على رسالة منه ، وهذا هو نصها : وقفت على الفصل الذي أفردني به الرئيس العالم ، أدام الله نعمته ، فذكرنيه العهد المتقادم ، وإن لم أنسه ساعة من الدهر ، ولحظة من العمر ؛ وبي من شوقي إليه ما كادت له الأحشاء ترجف ، والدموع تنطف ، إذ كان الاجتماع والشباب غض لم تخلق بروده ، والمشيب غريب لم تقبل وفوده ؛ وها أنا قد بلغت من العمر سواحله ، وعطلت أفراس الصبا ورواحله ؛ ثم وقفت على ما صرف فيه القول من كلام بمثله تشب نار النزاع في أثناء الجوانح ، ويستزل العصم العواقل إلى سهل الأباطح ؛ فثملت شعفا ، واهتززت شرفا ؛ وقد فوضت الوزارة إلى فلان ، وأسدف بانتصابه هذا المنصب العظيم ، والمقام الكريم ، ولو لا تلافيه الفضل وأربابه لضرعت خدودهم ، وتبعت جدودهم ؛ إذ كان الأمر قد أفضى إلى قوم عدوا الأدب ذنبا غير مغفور ، وأهملوه ربعا غير ممطور ؛ فحمى الله به مكانه ، وشيد أركانه ؛ وأعاد مجاهله معالم ، ومغارمه مغانم ؛ حتى وقفت عليه آماد الأمل ، وضربت إليه أكباد الإبل. وهي رسالة طويلة ، ونكتفي بهذا القدر منها.
[١١٢] ولما زين نظام الملك الوزارة بكفاءته ، ذهب أي أبو القاسم البيهقيّ إليه في مجلسه وقال له : أيها الوزير! اسمع قول الله تعالى حيث قال (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً)(١) ، وهناك حجابان اثنان يمنعان من سعادة الآخرة : طلب الجاه والرفعة ونفاذ الأمر والهوى ، والانقياد للشهوة ، فأجهد نفسك على أن لا تجمع هذين السدين ، لأن علو المقام مساعد على أن يغلق سدّ الفساد الطريق عليك.
__________________
(١) سورة القصص ، الآية : ٨٣.