الحال بها أفضل الصلاة وأتم السلام مدة ، ثم ولي القضاء بها ، ثم قدم إلى القاهرة ، وولي تدريس الناصرية الجوانية بدمشق بعد وفاة القاضي شمس الدين الغزي الذي نزل عنه تاج الدين بن السبكي ، وقدم دمشق ودرّس بها دون سنة ، فلما توفي القاضي تاج الدين تركها ، وولي تدريس الشامية البرانية واستمر بها نحو ست سنين إلى أن توفي في سنة سبع (بتقديم السين) وسبعين وسبعمائة ، ودفن بباب الصغير عند الشيخ حماد (١) ، ثم درس بها العلامة البارع المفتي النظار نجم الدين أبو العباس أحمد بن عثمان بن عيسى بن حسن بن حسين بن عبد المحسن الياسوفي الأصل الدمشقي المعروف بابن الجابي ، ميلاده في أواخر سنة ست وثلاثين وسبعمائة ، سمع الحديث ، وكتب بخطه طباقا والمشتبه الذهبي ، وطالع في الحديث وفهم فيه ، وأخذ الفقه عن المشايخ الثلاثة : الغزي ، والحسباني ، وابن حجي وغيرهم ، وأخذ الأصول عن الشيخ بهاء الدين الأخيمي ، ودرّس وأفتى واشتغل واشتهر اسمه وشاع ذكره ، وكان أولا فقيرا ، ودرّس بالدماغية هذه ، ثم تحوّل فورث هو وابنه مالا من جهة زوجته ، وكثر ماله ونما واتسعت عليه الدنيا ، وسافر إلى مصر في تجارة وحصل له وجاهة بالقاهرة بكاتب السر الأوحد ، وولي تدريس الظاهرية أخذها من ابن الشهيد ، وأعاد بالشامية الجوانية. توفي في جمادى الأولى سنة سبع (بتقديم السين) وثمانين وسبعمائة ، ودفن بمقبرة الصوفية. ثم درّس بها الشيخ الإمام العلامة مفتي المسلمين أقضى القضاة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن راشد بن طرخان اللمكاوي الدمشقي أحد الائمة العلماء المعتبرين وأعيان الفقهاء الشافعيين ، اشتغل في الفقه والحديث والنحو والأصول على مشايخ عصره. ونقل عن الشيخ شهاب الدين الزهري أنه قال : ما في البلد من أخذ العلوم على وجهها غيره ، وكان ملازما للاشتغال ، وتخرّج به جماعة ، وناب في القضاء ، ودرّس في الدماغية هذه ، وناب في الشامية الجوانية ، كما سيأتي فيها ، وكان في آخر عمره قد صار مقصودا بالفتاوى من سائر
__________________
(١) شذرات الذهب ٦ : ٧٢.