زمن الأذرعي يستحضر الروضة بحيث أنه إذا أفتى الأذرعي بشيء يعترضه ويقول : المسألة في الروضة في الموضع الفلاني ، ودرّس بحلب الشهباء بجامع منكلي بغا (١) ، ولما عاد الشيخ البلقيني من حلب المحروسة أثنى عليه ثناء حسنا ، ووصفه بالفضل والاستحضار ، ثم ولي قضاء صفد في حياة الملك الظاهر برقوق (٢) بواسطة الشيخ محمد المغربي (٣) ، ثم عزل وولي بعد الفتنة مرتين أو ثلاثا ، ثم قدم دمشق في شهر رمضان سنة ست وثمانمائة وبقي بطالا مدة ، وحصل له حاجة وفاقة ، ثم نزل بمدارس الفقهاء ، وحصل له تصدير بالجامع ، فجلس واشتغل [وأشغل] وانتفع به جماعة ، وناب في القضاء وولي قضاء الركب سنة عشرين. ثم في آخر سنة اثنتين وعشرين ترك القضاء وحصل له نفرة منه بعد أن كان يميل إليه ميلا كثيرا ، واستمر بطالا إلى أن مات ، وفي آخر عمره نزل له قاضي القضاة نجم الدين ابن حجي عن نصف تدريس المدرسة الركنية هذه ، فدرّس بها درسين أو ثلاثة في ذي القعدة في خامسه من سنة أربع وعشرين ، وكان شكلا حسنا مهابا سليم الخاطر سهل الانقياد ، وقد كتب شرحا على المنهاج في أجزاء غالبه مأخوذ من الرافعي وفيه فوائد غريبة ، ولم يكن له اعتناء بكلام المتأخرين ، ولا يد له في شيء من العلوم سوى الفقه.
قال الأسدي في ذيله في سنة خمس وعشرين : اتفق له أن أخرج ليلة الاثنين خامس عشري المحرم ليصلي العشاء الآخرة بمدرسة بلبان ، وهي على باب بيته ، فانفرك به القبقاب ووقع فحمل ولم يتكلم ، وقيل إنه حصل له فالج ، وتوفي يوم الأربعاء سابع عشريه ، وكانت له جنازة حافلة ، وصلي عليه بالمدرسة الزنجارية. وأمّ الناس الشيخ محمد بن قديدار ، ثم صلي عليه ثانيا بالشيخ أرسلان (٤) ، وأمّ الناس القاضي شهاب الدين ابن الحبال (٥) الحنبلي ،
__________________
(١) شذرات الذهب ٦ : ٢٣٦.
(٢) شذرات الذهب ٧ : ٦.
(٣) شذرات الذهب ٧ : ٢٧٩.
(٤) ابن كثير ١٤ : ١٧٧.
(٥) شذرات الذهب ٧ : ٢٠٢.