مواظبا على المطالعة والاشتغال والجمع والتصنيف ، مصنفا لأهل العلم والفضل ، مباينا لأهل الخزية والجهل ، وتأني الملوك وأرباب الدولة إليه زائرين وقاصدين ، وربي في طول زمانه في جاه عريض عند الملوك والعوام نحو خمسين سنة ، وكان مجلس وعظه مطربا وصوته فيما يورد فيه حسنا طيبا رحمهالله تعالى.
قلت : وهو ممن ينشد له عند موته قول الشاعر :
ما زلت تكتب في التاريخ مجتهدا |
|
حتى رأيتك في التاريخ مكتوبا |
وقد سئل يوم عاشوراء من الملك الناصر صاحب حلب أن يذكر للناس شيئا من مقتل الحسين رضي الله تعالى عنه فصعد المنبر وجلس طويلا لا يتكلم ثم وضع المنديل على وجهه وبكى ، ثم أنشا يقول وهو يبكي شعرا :
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه |
|
والصور في نشر الخلائق ينفخ |
لا بد أن ترد القيامة فاطم |
|
وقميصها بدم الحسين ملطخ |
ثم نزل عن المنبر وهو يبكي وصعد إلى الصالحية وهو يبكي كذلك انتهى.
وقال الذهبي في العبر في سنة اربع وخمسين وستمائة : وابن الجوزي العلامة المؤرخ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزأوغلي التركي ثم البغدادي العوني الهبيري الحنفي ، سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي ، أسمعه جده منه ومن ابن كليب وجماعة ، وقدم دمشق سنة بضع وستمائة فوعظ بها ، وحصل له القبول العظيم للطف شمائله وعذوبة وعظه ، وله تفسير في تسعة وعشرين مجلدا ، وشرح الجامع الكبير. وجمع مجلدا في مناقب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ، ودرس وأفتى وكان في شبيبته حنبليا ، توفي رحمهالله تعالى في الحادي والعشرين من ذي الحجة ، وكان وافر الحرمة عند الملوك انتهى.
وقال شمس الدين الشريف الحسيني رحمهالله تعالى في ذيل العبر في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة : وفي هذا العام جددت خطبة بالمدرسة البدرية جوار الشبلية باعتناء القاضي شهاب الدين بن فضل الله كاتب السر انتهى.