ويمكننا أن نقسم رحلته إلى ثلاث رحلات : الأولى وهي الأطول وشملت المشرق كله بالإضافة إلى جزء من شمال آسيا. أما الرحلة الثانية فكانت إلى بلاد الأندلس ، والثالثة إلى بلاد السودان. وعند ما عاد ابن بطوطة إلى فاس قيض الله له السلطان أبا عنان المريني (١) سلطان مراكش الذي اتصل به.
فكان نتيجة هذا الاتصال ظهور كتاب رحلة ابن بطوطة الذي أسماه تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (٢). والذي تصدر لكتابته ابن جزى (٣) حيث انتهى من كتابته في عام ٧٥٧ ه / ١٣٥٦ م (٤).
ويدل عنوان رحلة ابن بطوطة على ما حوته من غرائب وعجائب هي مثار شك أدت إلى اتهامه بالكذب (٥). ومن ذلك موقف ابن خلدون وتشكيكه في تلك الروايات أمام وزير السلطان فارس الذي أشار إلى ما يتناقله الناس من حكايات ابن بطوطة ، ويبدو أن الوزير من المؤيدين لها لأنه ضرب مثلا لابن خلدون عبر فيه عن تصديقه لابن بطوطة ، حيث شبه ابن خلدون بابن الوزير الناشىء بالسجن والذي لا يعرف من أشكال الحيوانات غير الفأر لعدم رؤيته سواها (٦).
وعلى ضوء ما سبق فهناك من اتهمه بالكذب وهناك من نفاه عنه (٧).
والملاحظ أيضا أن المواضيع التي تضمنتها الرحلة مثار جدل بين مؤيد
__________________
(١) فارس بن على بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحميد المريني أبو عنان بن أبي الحسن ملك المغرب ولي السلطنة خمس سنوات ومات سنة ٧٥٩ ه / ١٣٥٧ م. انظر ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ٢١٩.
(٢) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ٧٠٠.
(٣) محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزي الكلبي من أهل غرناطة وأعيانها يكنى أبا عبد الله برز في الأدب واضطلع بمعاناة الشعر وإتقان الخط ، نشأ بغرناطة في كنف والده وبعد وفاته انتقل إلى المغرب فاستقر بباب ملكه توفي بفاس في أول سنة ٧٥٨ ه / ١٣٥٦ م. انظر ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ٢ ، ص ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ، ٢٦٥.
(٤) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ٧٠١.
(٥) ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ٤٨٠ ؛ ابن الخطيب : الإحاطة ، ج ٣ ، ص ٢٧٣.
(٦) ابن خلدون : العبر ، ج ١ ، ص ١٥١ ـ ١٥٢.
(٧) ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ٣ ، ص ٤٨٠.