وعند ما قدم التجيبي مكة نلاحظ عدم تغير احتفالات أهل مكة المكرمة كثيرا عما وصفه ابن جبير في رحلته بالرغم من مرور أكثر من قرن على رحلته ، من حيث ما يقام في شهر رمضان من التأنق في إضاءة الحرم بالشمع والقناديل والمشاعل ومن ختم القرآن في ليالي الوتر من العشر الأواخر منه ولكن نلاحظ اختفاء عادة صعود الصبي الخطيب وحّل محله صعود أحد المكيين (١). والملاحظ من كلام التجيبي ظهور العنصر المصري بكثرة بمكة المكرمة حيث ذكر وصول عدد من القراء المعروفين بحسن الصوت وطيب النغمة يجتمعون في كل ليلة جهة باب بني شيبة من الحرم الشريف لقراءة القرآن على عادة القرّاء في البلاد المشرقية. وكان لهؤلاء القراء رئيس يصعد كّل ليلة من ليالي رمضان إلى سطح المدرسة المنصورية المشرفة على الحرم ويقوم بقراءة جزء من القرآن رافعا صوته بحيث يسمعه الناس.
وطرأت بعض التغييرات على احتفال ليلة السابع والعشرين من رمضان بقيام الشريف أبي نمي بحضورها وعدم صعود صبي من أبناء مكة المكرمة ، بل قيام أحد المصريين بإلقاء الخطبة بعد الختم وبعد فراغه من خطبته يشرع في الدعاء للشريف أبي نمي ويرفع نسبه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضياللهعنه فيأمر له الشريف أبو نمي بخلعة حسنة حريرية وعمامة حريرية مصفّحة بالذهب ويأمره بلبسها على المنبر فيفعل والناس ناظرة إليه ونلاحظ من كلام التجيبي وجود اعتراض على لبس الخطيب للحرير ، ولكن التجيبي علل عمله ذلك بالخوف من الشريف. لأن المعروف أن لبس الحرير محرم على الرجال ومحلّل للنساء حسب ما ورد في السنة المطهرة.
وكان للفرقة الزيدية يوم ختم أيضا ، وهذا ما لم يذكره ابن جبير وإنما ذكره التجيبي وخطب لهم بعد ختمهم ليلة التاسع والعشرين الخطيب المصري
__________________
(١) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٤٦٠.