وقد أفردت هذه السورة بكاملها للحديث عن الرحلة. وهي رحلة قريش التجارية. فكما هو معلوم أن أهل مكة المكرمة اتجهت أنظارهم إلى التجارة بحكم موقع مكة (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) كما قال تعالى على لسان خليله إبراهيم عليهالسلام (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)(١).
فهذا الموقع جعلها منطلق التجارة. وأظهرت سورة قريش بوضوح رحلتيها إلى الشام واليمن ، والتي جنت منهما أرباحا طائلة انعكست آثارها على أوضاعها الاقتصادية. وغدت ذات مركز مالي خطير في الحجاز ، وسوقا لتبادل السلع. ولم يكن هدفها من الاستيراد الاكتفاء الذاتي فقط ؛ بل قامت بتصدير القائض عن حاجتها إلى أطراف السواحل الجنوبية لشبه الجزيرة العربية والشام واليمن والسواحل الإفريقية المقابلة. حيث بلغت أحمال كل قافلة لتلك الجهات أكثر من ألف بعير (٢). إلى جانب أن أكثر تجارها هم من سدنة وأهل بيت الله الحرام والذي زادت مهابته في نفوس الناس عقب حادثة الفيل ، فلم يجرؤ أحد بالتطاول على تجار مكة ؛ إذ أن الله تعالى منّ عليهم بهذا الأمان كما جاء في سور قريش.
وعلى ضوء ذلك تمتعت مكة المكرمة بمكانة عظيمة وتقاطر الناس عليها استجابة لدعوة خليل الرحمن إبراهيم عليهالسلام. هذا فيما يتعلق بالرحلات الخارجية. أما الرحلات الداخلية فكانت :
أولا : لأداء فريضة الحج بدافع ديني وكانوا يستفيدون من رحلتهم تلك في التبادل التجاري حيث كانت تعقد الأسواق قبل الحج وبعده.
__________________
(١) القرآن الكريم : سورة إبراهيم ، ١٤ / ٣٧.
(٢) جواد على : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ، ج ٧ ، ص ٢٩٠ ـ ٢٩١.