وهذا ليس بمستبعد إذ له دلائل تؤيده أفاض بذكرها عبد القدوس الأنصاري (١) ، إضافة إلى أن الفرس قد عرفوا الحجاز قديما وخاصة مكة وكان ملوكها يعظمون الكعبة المشرفة ويأتون للطواف حولها كما كانوا يهدون إليها الهدايا والتي منها الغزالان اللذان وجدهما عبد المطلب في البئر عند ما حفر زمزم (٢) ، وعليه فربما كانت الفرس منذ تلك الأيام تأتي لمكة إما عن طريق البر أو عن طريق البحر عبر جدّة التي ذكر ابن المجاور قدمها (٣).
ولنا أن نشير إلى أن سبب تعظيم الفرس للكعبة المشرفة لما قيل : إن أسلافهم يرجع نسبهم إلى إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهماالسلام فكانوا يحجون إلى الكعبة المشرفة وكان آخر من حج من ملوكهم ساسان بن بابك (٤).
وقد سبقت الإشارة إلى قدم سورها والجباب المحفورة في الحجر الصلد والتي أشير إلى كثرة عددها وفيها يقول ابن المجاور : إن الفرس بعد أن أتموا بناء جدّة وسورها خافوا من قلة الماء فبنوا هذه الصهاريج لتسد حاجتهم من الماء (٥). وأضاف أن الفرس هم الذين بنو ضريحا على قبر حواء أم البشر وبقي متماسكا إلى سنة ٦٢١ ه / ١٢٢٤ م (٦).
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه من غير المعروف قبر أحد من الأنبياء يقينا إلا قبر المصطفى صلىاللهعليهوسلم مما يضعف كون هذا الموضع قبر أم البشر حواء.
__________________
(١) عبد القدوس الأنصاري : موسوعة تاريخ جدّة ، ص ٥٨ ـ ٧٣.
(٢) ابن هشام : السيرة النبوية ، ج ١ ، ص ١٤٦ ؛ المسعودي : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٢٤٢.
(٣) ابن المجاور : تأريخ المستبصر ، ص ٤٢ ـ ٤٣.
(٤) المسعودي : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٢٤٢.
(٥) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٣ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢١٩ ؛ ابن بطوطة : الرحلة ، ص ٢٤٢ ؛ ابن المجاور : تأريخ المستبصر ، ص ٥٣.
(٦) ابن المجاور : تأريخ المستبصر ، ص ٤٧ ـ ٤٨.