د ـ وصف أحاسيس النفس :
ظهرت براعة الرحالة المغاربة والأندلسيين في تصوير ما يعتلج في نفوسهم سواء عند الفرح أو الخوف أو الغضب من شيء مخالف للسنة. فقد أبدع ابن جبير ثم البلوي على سبيل المثال في وصف مشاعرهم لحظة دخولهم لمكة المكرمة (١).
أما الإحساس بالخوف فأبرز من أوضحه التجيبي أثناء عبوره للبحر الأحمر إلى جدة (٢). وكان الإحساس بالغضب في حالة ما هو مخالف لتعاليم الإسلام متفاوتا بين الرحالة كلّ بحسب طبعه وردود فعله. فمنهم من اكتفى بالدعاء بأن يصلح الله الأحوال مثل ابن جبير عند رؤيته للعامة في نهبها الشمع المقدم للحرم المكي في رمضان فقال على عادته" وعند الله تعالى في ذلك الجزاء والثواب إنه سبحانه الكريم الوهاب" (٣).
ومنهم من انطلق لسانه بالسب والشتم على لصوص الطرق الذين يتعرضون بالأذى لحجاج بيت الله الحرام مثل الأعراب القاطنين قرب المدينة فوصفهم العبدري بقوله" وعرب تلك الناحية من أكفر العرب وأفجرهم ... لا خفف الله ثقل أوزارهم ولا عفى عن قبيح آثارهم ولا أعفاهم من قوارع الدهر وخطوبه وإنحائه عليهم من كروبه بأنواع ضروبه" (٤).
ومن المؤكد أن الذي دفع هؤلاء الأعراب لقطع الطريق هو ما كان يلاقونه من مشقة في سبيل الحصول على الرزق. فالدولة الإسلامية في ذلك الوقت لم تكن تلتفت إلى مساعدتهم لتدهور أحوالها هي أيضا إذ لم تكن هناك دولة إسلامية قوية إلا دولة المماليك بمصر. وهذه كانت منشغلة بحرب الصليبيين.
__________________
(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٥٨ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٢٢٣ ، ٢٢٥.
(٢) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢١٢ ـ ٢١٤.
(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٣٣.
(٤) العبدري : الرحلة المغربية ، ص ٢٠١.