وأمّا القصائد المطوّلات ، فقد تفضّل مولانا المشار إليه بكتابة كثير منها ، فلا حاجة إلى الإطالة بذكر شيء منها ، وقد آن أن أحبس عنان القلم عن الجري في هذا المضمار ، وأكفكف من غلوائه خيفة العثار ، وأن أوصف بمهذار أو مكثار ، وهو يسأل العفو عمّا بهذه الأليفاظ من الزلل ، وإصلاح ما غشيها من الخلل ، لا زال من رقم باسمه ، وزبر برسمه. سعيد الحركات ، مزيد البركات ، رفيع الدرجات ، دائم المسرات ، ما دامت الأرض والسموات ، قال ذلك وكتبه العبد الفقير ، المعترف بالعجز [١١٠ أ] والتقصير ، عبد الرّحيم بن عبد الرّحمن بن أحمد العبّاسيّ الشّافعيّ ، غفر الله ذنوبه ، وستر في الدارين عيوبه ، وذلك يوم السبت سابع عشر شوال المبارك سنة سبع وثلاثين وتسعمائة بمدينة القسطنطينيّة المحروسة ، الحمد لله وحده وصلّى الله على سيّدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلّم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وقد اعتنى بحاجتنا مولانا قاضي العسكر المنصور أتمّ اعتناء ، فعاجلنا سفر السّلطان ، أدام الله إسباغ ظله على الأكوان إلى مدينة بروسا (١) المحمية ، فنوينا الإقامة بمدينة القسطنطينيّة لهذه القضية ، فاستمرينا في منزل مولانا السيّد المشار إليه ، أدام الله إسباغ ظلّه عليه ، نتملّى بمشاهدة طلعته البهيّة ، ونتحلا بسماع ألفاظه العليّة ، ونحن لا نملّ من المقام ، ونرى أشهرنا كأنها أيام ، إلى أن فشا الطاعون بالبلدة ، وقاسى الناس من أهواله كل شدّة ، وفقد جمع من الأحباب ، [١١٠ ب] فتعوّذنا بالله من ذلك المصاب ، ولم يصر المقام بها من المستطاب ، فعزم مولانا السيّد المشار إليه على السفر منها إلى بعض البلاد الخالية من الكدر ، وأن يستصحبنا معه ولا بدّ في ذلك السفر ، فاستخرنا الله تعالى في ذلك والسلوك معه حيث شاء من المسالك.
__________________
(١) تقدم الحديث عنها وذكرها الغزيّ قبلا : «برصاه». وهي بروسة : إحدى مدن تركيا الواقعة على بحر مرمرة على مسافة (٢٠) كم وعن إستانبول نحو (٢٨٠ كم) ، وقد فتحها السّلطان العثماني أورخان في جمادى الأولى سنة ٧٢٦ ه وجعلها عاصمة الدولة العثمانيّة الأولى (أخبار الدول ٣ : ٤٢٠ ، المنح الرحمانية ١٩ ، بلدان الخلافة الشرقية ١٨٩).