وأضاء ، فأرسينا حينئذ بالقرب من ساحل قرية يقال [١١١ ب] لها قزل اضا (١) ، فبتنا هناك والليل مزهر السراج ، لابس من نور القمر أبيض الدّيباج ، وقد رقّ ذلك البحر وراق ، وحلا وصفا وإن كان مرّ المذاق ، وأشرقت جنباته غاية الإشراق:[من المتقارب]
كأن الشعاع على متنه |
|
فرند مصفحة سيف صدي |
وأشبه إذ درجته الصبا |
|
برادة تبر على مبرد |
فلما هبّت بعد سكونها الصبا ، وهبّ من نومه الصباح ، واستتر نور القمر واختفى ، وبدا نور الفجر ولاح ، نشر من المركب بنوده ، وقلّد شراعه وأحكم شدوده ، ثمّ رحلنا وسرنا ، وأشرع ذلك الشراع فأشرعنا ، وخفقّ ذلك الجناح فطرنا ، فلم نزل نسير وذلك المركب يكاد يطير وذلك البحر : [من الكامل]
تتكسر الأمواج فيه فتنثني |
|
بيد الصبابة مبيضة أعطافها |
فكأن شهب الخيل قد غرقت به |
|
فطفت على أمواجه أعرافها (٢) |
فلما انتصف ذلك النهار ، ظلمنا ذلك البحر وجار ، وكان أمسى مس القرين بعد أن كان نعم الجار ، ثم أزبد ورغا ، وتعدّى وطغى ، وعتا مفسدا [١١٢ أ] وبغى ، ورام ما لم ينله وبغى ، واشتدت به الرياح وعصفت ، وأتت به الأمواج من كل جانب واختلفت ، واضطرب وتكسّرت وانقصفت ، وصار السير به في حكم الحرمة بعد
__________________
(١) قزل أضا : وهي إحدى الجزر القريبة من مدينة إستانبول ، وتقع في بحر مرمرة ، وكان الأصل التركي لهذه الجزر يعرف باسم «قزيل آطه لر» ويعني «الجزر الحمراء»(قاموس الأعلام ١ : ٢٢١ ، ٥ : ٣٦٥٩)
(٢) البيتان في تاج المفرق ٢ : ١٧ بلا عزو.