العين الحمئة إيرادها بمكان يعرف بأستك ، بهمزة مفتوحة على وزن مرتك ، عند عين ماء نمير تجاه بسطه ، وربيع قد فرش بسطه ، وأظهر سروره وبسطه ، وأخرج سوسانه ولسانه وقرطه ، فبتنا به ليلة السبت ثامن شوال ، ثم عزمنا على الترحال وشددنا الخيل وحمّلنا البغال [٣٨ ب] : [من البسيط]
حين شاب الدّجى وخاف من الهجر |
|
فغطّى المشيب بالزعفران (١) |
فلمّا سرنا قليلا لحقني الأمير جانم ومعه جماعة فسلّموا وقالوا : أردنا المثول لخدمتكم في هذه الساعة (٢). فقلت : ما الخبر؟ فقالوا : سؤال حضر. فقلت : ما السؤال؟ فتقدم الأمير جانم وقال : هو عن قوله تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ)(٣) فقلت : ما المقصود؟ فقال : الضمير في خلقه وما بعده على من يعود؟ فقلت : على عيسى. فقال : قد وقع بين علماء القاهرة فيه إشكال فإنّه قال خلقه من تراب فتم الخلق بهذا المقال ، ثم قال له كن هذا تحصيل حاصل أي وهو محال ، فقلت : كلا ، بل المقصود بقوله خلقه من تراب صوّر هيكله الجسماني ، وبقوله ثم قال له كن نفخ فيه الروح وأتم فيه البشرية والخلق الإنساني. فشكر وأثنى وذكر أنّ ذلك التحقيق لم يسمعه إلّا منّا ، ولم يزل يتودّد ويتواضع ويتلطّف ويتخاضع ، فلما تعالى النهار وترافع ، وتوالى حرّه وتتابع ، وصلنا إلى مدينة المصّيصة (٤) بعد أنّ سلكنا مسالك وعرة عويصة ، [٣٩ أ] وهي مدينة بكثرة الأشجار والمياه مخصوصة يجري بفنائها نهر جيحان وبها عليه جسر عظيم البنيان ، وعليها بابان يقفلان عليه إلى الآن ، وقد كانت من غرر البلدان ، وانتشأ بها جماعة من الأعيان ، لكنها الآن خربت ،
__________________
(١) البيت في معاهد التنصيص ٢ : ٩٨ منسوبا لأبي العلاء المعري.
(٢) وردت في (ع): «المشاعة».
(٣) سورة آل عمران آية ٥٩.
(٤) المصّيصة : مدينة على شاطىء جيحان ، من ثغور الشّام بين أنطاكية وبلاد الرّوم ، تقارب طرسوس.
(معجم البلدان ٥ : ١٤٥).