أخفّها يتلوها ليلة ما أشدّها كما قيل : [من الكامل]
إنّ الليالي للأنام مناهل |
|
تطوى وتنشر بينها الأعمار |
فقصارهنّ مع الهموم طويلة |
|
وطوالهنّ مع السرور قصار (١) [٨ أ] |
فلما طلع القمر ، وسطع نوره وانتشر ، ومدّ بساطه الأزهر على ذلك الزهر ، وصقل نور ضيائه صداد ذلك النهر ، عزمنا على الترحال ، وشددنا الأحمال على البغال ، وودعنا من الأصحاب من بقي وأنشدناهم إن نعش نلتقي ، وسرنا وقلبي يتوقّف عن اللحاق ، ويتخلّف عن الرفاق ، ويتخوّف من فرق الفراق بعد فرح التلاق : [من الطويل]
ولو لا الترجّي للمحبين لم تكن |
|
قلوبهم يوم النّوى تعمر الصّدرا (٢) |
واستمر بنا (٣) السير من ذلك الوقت إلى وقت الغداء ، وجزنا في خلاله بوادي بردى ، وهو واد أفيح (٤) كثير الأشجار ، بعيد القرار عظيم المقدار ، عديم المماثل والنظير ، ذو مرأى حسن ومنظر نضير ، يحفّ كل قطر منه بستان ، ويدور بجنباته نهر بردى كالثعبان ، قد بسطت يد السماء به بسطا سندسيّة ، وطرحت عليه (٥) مطارح بالزهر موشية ، وقد جرّ عليه النسيم بعد ذلك ذيوله ، وأجال بميدانه خيوله ، واستنطق أطياره ، وشقق أزراره ، وأفشى أسراره ، وأذاع رنده وعراره ، وفضض نوّاره ، وذهّب
__________________
(١) الأبيات موجودة بلا عزو في نهاية الأرب ١ : ١٣٤ وتاج المفرق ١ : ١٧٣.
(٢) سقط هذا البيت من (ع) ، وهو في تاج المفرق ١ : ٢٩٤ بلا عزو.
(٣) وردت في (ع): «واستمرينا».
(٤) سقطت هذه الكلمة من (ع).
(٥) سقطت هذه الكلمة من الأصل ومن (ع) وأثبتنا ما في (م).