بالمواسط أمر الله تعالى باجتماع الرياح المختلفة ، وتفريق تلك الواحة المؤتلفة ، فضربنا في البحر يمينا ويسارا ، وسرنا [١٥٦ ب] إقبالا وإدبارا ، وتدفعت (١) الأمواج وعظم الارتجاج ، وعصفت الجنوب ، وعسفت الجنوب ومسي السفر ما كان ، وجاءهم الموج من كل مكان ، فرجفت القلوب وخرست الألسن ، وجرت الرياح بما لم تشته السفن. وقد اشتدت علينا الرياح الغربيّة ، وتحكّمت فينا المياه البحريّة ، ولم نزل في تلك السفينة بين قوادمها وخوافيها ، نلاحظ المنايا حينا وحينا نوافيها ، قد تبدّلنا من ظل علا ومفاخر ، بقفر بحر طامي اللجج زاخر ، ومن صهوات الخيول المسرجة ، بلهوات بحر امتطينا ثبجه ، ولم نزل نعاني أليم الوجد وعظيم التبريح ، إلى أن أذن الله سبحانه بسكون الريح ، ثم أرسينا بعد عناء طويل بمرساة القرية المعروفة بالديل (٢) ، ثم ترحّلنا من تلك المرسى ، وتبدّلنا من تلك الوحشة أنسا ، ونزلنا عند العشية بقرية هناك سكن (٣) ينكجرية ، فبتنا جميعا بها ، ولم نفرق بين ظهر المطر وقبتها ، فلمّا بدا من الفجر سفور ، ونثر للصبح كافور ، [١٥٧ أ] وأحرقت فحمة الليل عنبر الصباح ، وخبا من النجوم الزهر كل مصباح ، ترحّلنا من ذلك المنزل ، وتركنا الراحة عنّا بمعزل ، وسرنا في دربندات ووداة ، كثيرات الأشجار الملتفة والمياه ، إلى (٤) أن تضاحى النهار ، واستبان رونقه (٥) واستنار ، فنزلنا بقرية تعرف بقرية الدّروند (٦) ، بها مياه شديدة البرد ، وأشجار طيبة النشر كالعرار والرند.
__________________
(١) وردت في (ع): «وتدفقت».
(٢) الديل : معناه لسان البحر ، قرية على خليج أوسع من خليج أسكدار. انظر : رحلة الشتاء والصيف ١٨٨ وذكرها الخياري ١ : ٢٣٧ ، ٢ : ١١١ : أسكلة الديل.
(٣) وردت في (ع): «سكين». وينكجرية : كلمة تركية معناها : الجيش (الجند) الجديد (لطف السحر ـ هامش المحقق ١ : ١٠٨).
(٤) ساقط من (ع).
(٥) وردت في (ع) : رديفه.
(٦) لم نهتد إلى ضبط وتحديد هذا الموضع ولعله ما ذكره القرماني (أخبار الدول ٣ : ٣٧١): «درندة ، مدينة من بلاد الرّوم».