الوجل ، إلى أن اهتدينا بعد أن كدنا نضل ، إلى المنزل المعروف بدل ، وهو منزل إلى جانب البحر بين تلال في مضيق ، ومنها ينزل في المعديّة إلى قرب أزنيق (١) فيقرب على الناس الطريق ، وبها عمارة لابن هرسك للقاطنين والواردين ، وعند المعديّة على الدرب خان للمسافرين ، وبظاهره عين ماؤها معين ، يصب في حوض كبير لورود الواردين ، فنزلنا بذلك الخان ، إلى أن آن وقت الفجر وحان ، ونحن لا نهجع ، ولا يستقر لنا مضجع ، ودمعنا ودمع الغمام ذارف ، وسقف الخان والسماء واكف ، فبتنا بليلة نابغية وأحزان يعقوبية وتصبرات أيّوبية ، لا نجد [١٣٤ أ] من تلك البأساء ملجأ ولا مقيلا ، ونلقي من أعيننا وأعين المزن بالليل قبل النهار سبحا (٢) طويلا ، فعندما تجلّى وجه السحر ، وذبح لضيف الصباح مطيّة الظلام ونحر ، خف القطر وقل ، وتنازل من الوبل إلى الطل ، فأخذنا في الترحال ، وركبنا متون تلك الأوحال ، وسمونا مع الماء سموّ حبابه حالا على حال. ولم نزل نقطع مهامه وقفار ، ونجوز في أودية كالبحار ، يندهش بزمع فيها البصر ويحار ، إلى أن وصلنا إلى كيكثبزة (٣) ضحوة النهار ، فما ملنا إلى النزول ولا عجنا ، ولا عوّلنا على غير المسير ولا عرّجنا ، واستمر السير ذلك النهار جميعه والسحاب لا يكفكف دموعه ، والشمس متسترة بخدرها لا تبرح خوف ذلك الزلق من وكرها ، والأرض لا تثبت الرجل من كثرة الوحل على ظهرها ، وتلك الجياد ترسف فيه كالراسف في الأقياد ، وقد ضنى من ذلك القلب والفؤاد ، والثياب منقوشة بأيدي الخيل من العاتق إلى الذيل ، ووافانا [١٣٤ ب] (في
__________________
(١) أزنيق : تقدّم التعريف بها ، وهي مدينة تركية قرب شواطىء بحر مرمرة الشرقيّة ، وهي مدينة أثرية ، كان اسمها في القديم «نيقية» ، وهي من فتوح السلطان أورخان غازي ، مرّ بها الرحالة المشهور بكبريت ، والرحالة الخياري (انظر :رحلة الشتاء والصيف ١٨٩،رحلة الخياري ١ : ٢٣٥ ، أخبار الدول ٣ : ٣٠٦).
(٢) هكذا وردت في الأصل وفي (م) ، ووردت في (ع): «شيئا».
(٣) كيكثبزة : لم نهتد إلى تحديد موضعها ولعلها هي ذاتها قيبزة أو كيبزة التي ذكرها الرحالتان كبريت والخياري. انظر : رحلة الشتاء والصيف ١٨٨ ، ورحلة الخياري ١ : ٢٣٧.