فلم نزل في حطّ وتر حال ، ووخد وإرقال (١) ، إلى أن وصلنا إلى محلّة ابن أوكي (٢) وقت الضحى العال ، من يوم الأحد ثالث عشرين شوال ، وهو مرج كبير ذو عشب كثير ، قد بسط الغيث به بساطا أخضر ، بحيث لا يكاد شيء من سواد أرضه يرى ، وبجانبه قلعة لطيفة منقورة في جبل عالية الموضع سامية (٣) المكان مرتفعة المحل ، وهو معد لرعي الخيول السّلطانية وتربيتها وإصلاح شأنها وتنميتها ، وبأسفله اصطبلات برسم تلك الخيل (٤) تصان بها وتأوي إليها في الليل ، ثم رحلنا وقت الظهيرة من تلك المحلّة المذكورة ، ولم نزل نسير وقد جدّ المسير ، وحمى الهجير ، وكاد أن يبلغ الغبار الكثير الفلك الأثير ، فلما تضمّخ جيب الأصيل بالعبير ، وسقطت الشمس من الغرب على خبير ، بعد أن عراها من خوف هول (٥) ذلك الحال اصفرار ، وأعقبت من شفقها في الأفاق لون الاحمرار ، وصلنا حينئذ إلى محلّة أرمني بازار ، وهي قصبة حسنة العمارة ، بها [٥٢ أ] مسجد لطيف ومنارة ، فنزلنا بظاهرها منزلا تشتهيه الأنفس وتلتذه (٦) الأعين ، وتسبّح من حسنه الأفواه والألسن ، فسيح الأرجاء ، واسع الأنحاء ، صحيح الهواء ، به أعين زائدة الخصر والعذوبة ، فوق الغاية المطلوبة والحالة المرغوبة ، وبتنا في مقعد هناك معظم عال ، مركب على عين تجري بماء عذب زلال ، فلما ابتسم ثغر الأفق بعد الوجوم ، وفاض نهر المجرة على حصباء النجوم ، نبهنا أيدي المطي عن سنة السكون ، وحركنا منها ما كان مبينا على السكون ، ورحلنا من ذلك
__________________
(١) الوخد والإرقال : الإسراع ، أو أن يرمي البعير بقوائمه كمشي النّعام.(القاموس المحيط ٤١٤ ، ١٣٠٢)
(٢) محلة ابن أوكي : ذكرها القرمانيّ عرضا : «سلطان أوكي» وهي على شاطيء نهر يكي شهر الآتي ذكرها بينكي شهر ، ولعلها هي ذاتها التي مرّ به الرحالة المشهور بكبريت من نواحي ينكي شهر وسمّاها بلدة السّلطان غازي ، سميت باسم فاتحها ، انظر : أخبار الدول ٣ : ٣٧ ورحلة الشتاء والصيف ١ : ١٩٠.
(٣) وردت في (ع): «شامية».
(٤) وردت في (ع): «الخيول».
(٥) سقطت هذه الكلمة من (ع).
(٦) وردت في (ع): «وتليذه».