بصلاة الفجر ، واغتنمنا بتعجيلها للأجر ، ثمّ هدأنا هدأة الوصيب ، ووسنا سنة النصيب ، فلم نفق إلّا والشمس قد طلعت ، وارتقت لذروتها وارتفعت ، فحللنا بحلال ، فأصلحنا الأحوال ، وتجهّزنا للارتحال ، فوصلنا إلى القطيّفة (١) وقت الزوال ، [١٧٦ أ] وهي قرية عامرة ، ذات خيرات وافرة ، وغلال متكاثرة. فيحاء الضواحي ، جميلة النواحي ، مخضرّة الأرجاء ، فضيّة الأنحاء ، وهي من وقف المرحوم السعيد وليّ الله تعالى الملك العادل نور الدّين الشهيد ؛ من جملة أوقافه على المرستان ، وهي الآن في ذخيرة السّلطان ، فأنخنا بها من عطن ، وقد أشرفنا بحمد الله على الوطن. وأقمنا بها إلى العصر ، وقد زال العناء والحصر ، وحصل الجبر والنصر ، ثمّ سرنا قافلين عن أوطار بحمد الله مقضيّة ، ومساع بفضل الله مرضيّة.
ولم نزل نجوب في تلك البريّة ، إلى أن وصلنا إلى قرية القصير (٢) عشية ، فنزلنا بها واليوم في سن الاكتهال ، وأيدينا مرتفعة بالشكر لله تعالى والابتهال ، وهي قرية حسنة ، ودمنة مستحسنة ، طيّبة الهواء ، مشرقة الأضواء. جمّة الخيرات ، طيّبة النبات ، كاملة الأذوات ، فهي بغية النفس ، وغاية الأنس ، ومنية الطرف ، ومسرح الطرف ، وسلوة الخاطر ، ونزهة الناظر ، من حيث استقبلتها أشرقت [١٧٦ ب] وكيف ما لمحت أساريرها (٣) برقت : [من الطويل]
بلاد (٤) بها الحصباء درّ وتربها |
|
عبير وأنفاس الرياح (٥) شمول |
__________________
(١) القطيّفة : قرية تقع في طرف البريّة من ناحية حمص ، على طريق القاصد من حمص إلى دمشق ، وتبعد عنها نحو ٤٠ كم. (معجم البلدان ٤ : ٣٧٨ وصبح الأعشى ١٤ : ٣٨١).
(٢) القصير : تصغير قصر ، بلدة صغيرة بالغوطة الشرقية ، وهي أول منزل لمن يريد حمص من دمشق ، أنظر : معجم البلدان ٤ : ٣٦٧. أخبار الدول ٣ : ٤٤٤ وصبح الأعشى ١٤ : ٣٨١.
(٣) وردت في (ع): «إشارتها».
(٤) في الديوان : «الشمال».
(٤) في الديوان : «الشمال».