فأولها وأوسطها عناء |
|
بلا فصل وآخرها فناء |
ومع هذا فالغبطة بها شديدة ، والآمال فيها مع العلم بأنها دار البلى جديدة ، حتّى كان حقيقة ما يعلم من استحالتها ارتياب ، والرحلة عنها إليها إياب ، لقد حقّ أن يرفضها البصير ، ويستعدّ لما إليه يصير. ونسأل الله في هدايتنا (١) فنعم المولى ونعم النصير ، ألهمنا الله طريق إرشادنا ، وأعاننا على الاستعداد لمعادنا ، وقضى في العاجل والآجل بإسعادنا ، إنّه على كل شيء (٢) قدير ، وبالإجابة جدير.
فأقمنا بتلك المدينة ذلك النهار بتمامة ، ثم ليلة الأربعاء إلى أن كشف القمر عن لثامه ، ومدّ نوره على خراب ذلك المكان وأكامه ، وبلغ من اعتلائه أقصى غاية مرامه ، فأخذنا في التّرحال ، وشدّدنا الأحمال على تلك الجمال ، فبلغ السير وقت [١٧٥ أ] الضحى وانتهى إلى قرية حسية (٣) وقيلنا بها. ثمّ سرنا قاصدين بلدة قارا (٤) ، وقطعنا فيافي وقفارا ، وبراري وصحارى ، إلى أن مال النهار كل الميل ، وأقبل الليل إقبال السيل ، ومدّ خيامه وسرادقه ، وزين بالزهر مغاربه ومشارقه ، فوصلنا حينئذ تلك المدينة ، وحصل بها الاستقرار والطمأنينة ، وهذه المدينة مدينة قديمة (البنيان ، واسعة الأركان) (٥) بها آثار مقيمة ، وبعض عمائر عظيمة. سامية الأرجاء ، واسعة الفناء ، موضوعة على نسبة حسنة في الاعتدال والاستواء ، رائقة الموضوع ، بديعة المجموع ، كوكبها يقظان ، وجوها عريان ، وروضها فريج ، ونسيمها أريج ، ما شئت من منظر عجيب ، وجانب رحيب ، وبسيط خصيب ، يزهو بالحسن المحض ، والنور
__________________
(١) وردت في (م) و (ع): «هدايته».
(٢) وردت في (ع): «على ما يشاء».
(٣) بلدة تقع جنوب حمص وتبعد عنها نحو ٤٠ كم تقريبا.
(٤) ويقال قارة ، وهي المنزل الأول من حمص للقاصد إلى دمشق ، وتبعد عن دمشق مسافة ٩٥ كم تقريبا. (معجم البلدان ٤ : ٢٩٥ ، أخبار الدول ٣ : ٤٤٤).
(٥) ما بين القوسين ساقط من (م) و (ع).