ذكر الرجوع الى الوطن والأوبة بعد طول مدّة هذه الغيبة
ثم لما انقضت بحمد الله تعالى جميع الأشغال ، وانتظمت بعون الله سائر الأحوال ، ومنّ الله تعالى بالظفر ، شرعنا مسرعين في أهبّة السفر ، وذلك السيّد الكريم والولي الحميم في تعاطي حاجاتي بنفسه مهتم على أتم لأحوال وأكمل الأمور ، وبمفارقتي له مغتم ، وببلوغ أربي مسرور ، إلى أن كمل الاستعداد وتهيأت الرفقة والزاد.
وأسرج جواد الأوبة ، وتقوّضت خيام الغيبة ، وحم يوم الفراق ، واحتدم ذلك التلاق ، وأضرمت تلك الأعلاق ، وأعدّت الركاب ، وحضر للوداع جميع الأصحاب ، وتحقّق السير عن ذلك الحمى ، وأشأم حاد كان بالأمس أتهما ، وأجريت الدموع ، وطلق الهجوع ، وأضرمت نيران الزفرات الأكباد والضلوع ، [١٥٣ ب] : [من الكامل]
ومدت أكفّ للوداع فصافحت |
|
وكادت عيون للفراق تسيل (١) |
فيا لساعات التوديع ما أشدّ كربها وأحدّ عزمها ، وأكثرها إلهابا للخلد ، وذهابا بالجلد ، وذوابا للجلد والجسد ، وممّا قلته : [من البسيط]
يا قاتل الله قلبي كم أحمله |
|
ما لا يطيق لقد رثت علائقه |
في كل يوم له خل يودعه |
|
مع الزّمان ومحبوب يفارقه |
وأنشدت ذلك السيّد الحبيب ، وأنا وهو منتحب ومفارق لجسماني ولقلبي مصطحب : [من مجزوء الرّجز]
__________________
(١) البيت في تاج المفرق ١ : ٢٧٥ بلا عزو.