بأركلي (١) وتسّمى بهرقلة ، وكان حلولنا بتلك البلدة يوم الاثنين عاشر ذي القعدة ، وقد تضاعف السقم وترادف الألم ، واشتدّ بي المرض ، وغيّر جوهر الجسم ذلك العرض ، وعجزت عن الحركة والانتقال والتحوّل والارتحال مدّة ثلاث ليال ، وأنا أتلهب من شدّة البعاد ، وأتلهف وأتشوق إلى معاهد البلاد ، وأتأسف [١٦٣ أ] وأتمثل بقول العبّاس بن الأحنف (٢) : [من المديد]
يا بعيد الدّار عن وطنه |
|
مفردا يبكي على شجنه |
كلّما جدّ الرّحيل به |
|
زادت الأسقام في بدنه |
ولقد زاد الفؤاد شجا (٣) |
|
طائر يبكي على فننه |
شفّه ما شفّني فبكى (٤) |
|
كلّنا يبكي على سكنه |
فحين طال المطال ، واشتدّ ذلك الحال ، لم نجد بدّا من اكتراء جمال ومن شراء محمل يحملنا ، فحين تمّ الأمر وكمل ، وحضر المحمل والجمل ، وامتطينا مطاه وشرع في خطاه ، بل في خطاه ، ثم خرجنا من تلك البلدة (٥) وذلك يوم الأربعاء ثاني عشر القعدة ، فلم يلبث ذلك الجمل المذكور حتى مرّ على بعض ما على تلك الأنهار من
__________________
(١) تقدّمت الإشارة إليها في مطلع الرحلة ، والظاهر أنّ هرقلة مدينة أخرى غير أركلي ، ببلاد الرّوم أيضا ، ذكر كليهما القرماني ولم يشر إلى أنهما واحدة. انظر : أخبار الدول ٣ : ٥٠٥ ومعجم البلدان ٥ : ٣٩٨ ـ
(٢) ديوانه ٣١١ ، ومعاهد التنصيص ١ : ٥٦ ، وتزيين الأسواق ٥٣٦.
(٣) وردت في (م) و (ع): «ضنى».
(٤) وردت في (ع): «فيك».
(٥) وردت في (ع): «الهلكة» ، وفي (م) : كلمة غير مقروءة.