الجسور ، فزلّت إحدى رجليه أو يديه ، فسقط في النهر هو ومن عليه ، فكان ذلك من أنكأ القرح ، ومن الكي أثر الجرح ، ولم يسعنا غير الصبر والاحتساب ، والتبدّل بجيمع (١) الأثواب ، ثم نزلنا تلك الليلة ببعض قراها [١٦٣ ب] واستعملنا ما كنّا استصحبنا من قراها ، ثم أصلحنا الأحوال ، وعزمنا على الترحال ، عندما غاص نهر المجرّة (٢) ، وهتمت أسنان الكواكب المفترّة ، وضحك وجه الشرق بعد التعبيس ، فأسفر عن ثالث عشرين الشهر يوم الخميس ، وسرنا مجتهدين وأسرعنا مجدّين إلى أن نزلنا بقرية تعرف بشجاع الدّين ، ثم رحلنا منه وقت الإظهار ، وانتصاف ذلك النهار ، ولم نزل نقطع أديم الفلا ونفري ، حتى أنخنا بالقرب من آق كبري ، والعشية تخور بدمانها ، وذكاء تتسخط بدمائها ، فبتنا بذلك المكان بالقرب من النهر ليلة الجمعة رابع عشرين الشهر إلى أن أنشد لسان الحال قول من قال : [من الخفيف]
لم نر الليل حيث رقّ دجاه |
|
وبدا طيلسانه ينجاب |
وكأنّ الصباح في الأفق باز |
|
والدجى بين مخلبيه غراب |
وكأن السماء لجة بحر |
|
وكأن النجوم فيها حباب (٣) [١٦٤ أ] |
وقد تشوقت الأبصار لسفور الأسفار ، فحين أسفر النهار واستراحت أعين النظّار من ألم الانتظار ، أخذنا (٤) في المسير بعد التحميل ، وجمعنا بين طرفي البكر والأصيل ، وغالب سيرنا ذلك النهار في مروج وأنهار ، وعيون جارية ، وأشجار سامية ، وجبال عالية ، إلى أن وضعنا الرحال ليلة السبت بمرج أفيح حسن النبت ، بالقرب من
__________________
(١) وردت في (ع): «بمنع».
(٢) بياض في (ع).
(٣) الأبيات لتميم بن المعزّ ، انظر : الديوان ٩٦.
(٤) في الأصل و (م): «ثم أخذنا».