وصلنا ضحوة الأربعاء تاسع عشر الشهر للمدينة البيضاء ، وهي التي تسمى عندهم بآق شهر (١) ، وهي مدينة لطيفة ، حسنة ظريفة ، من أنزه المدن القرمانيّة وهي آخرها ، وألطف البلاد العثمانيّة وأخيرها ، مبيضة كسقيط الثلج ، مصطفّة كبيوت الشطرنج ، ذات مياه خصرة (٢) ، وبساتين خضرة ، عظيمة المنازه ، كثيرة الغلات والفواكه ، يجلب منها الفاكهة إلى ما يحاذيها من البلاد [٤٩ أ] الرّوميّة حتى إلى المدينة العظمى القسطنطينيّة ، ويخترق أرجائها نهر سلسال ، كدمع المهجور إذا سال : [من الطويل]
يظنّ به ذوب اللّجين (٣) فإن بدت |
|
له الشمس أجرت فوقه ذوب عسجد (٤) |
وبها أسواق معمورة ، بالخيرات الموفورة مغمورة ، ومساجد عظيمة ، وحمّامات قديمة ، وعمارة بظاهرها بها مسجد للجمعة معظّم ، منسوبة لحسين باشا الوزير الأعظم ، وتكيّة ينزلها المسافرون ، ويحلّها المتفقهون القاطنون ، وليس لها سور ولا حصار معمور ، وهي من أرخا هذه البلاد لسعة رزقها ونزرة خلقها وكثرة مغلها وقلّة أهلها وكثافة غيطانها وخفة قطانها ، وبها على دون مرحلة بركة كبيرة ، بها بعض مراكب صغيرة ، يصاد بها منها السمك الكبار والصغار ، ويجلب إلى ما حولها من الأقطار ، فنزلنا بها بمصلّى العيد ، وهو منزل بديع غير بعيد ، قد راق فيه الماء ، ورقّ
__________________
(١) آق شهر : مدينة روميّة مشهورة ، تبعد عن قونية نحو ثلاثة أيام شمالا بغرب ، ذكر الرحالة المشهور بكبريت أنّ معناها القرية البيضاء ، كما مرّ بها الرحال الخياري وزار قبر الخواجا ناصر الدّين الملقب بجحا ، وتوسّع في ذكر خبره. انظر : رحلة الشتاء والصيف لكبريت ص ١٩١ ، رحلة الخياري ١ : ٢١٧ ، صبح الأعشى ٥ : ٣٥٢ ، أخبار الدول ٣ : ٣٠٦ ، بلدان الخلافة الشرقية ١٨٤ ، قاموس الأعلام ١ : ٢٦٦.
(٢) وردت في (ع): «حضره».
(٣) اللّجين : الفضة.
(٤) هذا البيت مذكور في رفع الحجب المستورة ١ : ١٢٨ ، ومعاهد التنصيص ٢ : ٩٨. منسوبا لأبي العلاء المعري.