حلّ هو دون العضو ، فاستملا ذلك الجواب وكتبه ، وابتهج به وأطربه ، وسرّ به وأعجبه.
ثم أقمنا بتلك البلدة ذلك اليوم ليلة السبت (١) مستهلّ شهر ذي القعدة إلى أن حان أول وقت الصوم ، فلما نشر الصبح راياته ، وحيعل (٢) الدّاعي إلى صلاته ، أجبناه مثوبين ، ثم ترّحلنا مؤنبين ، ولم نزل نتابع السير ونواصل ، إلى أن مال المعتدل واعتدل المائل ، (ولم نزل نحثّ في الرحيل ، ونصل [١٦٠ ب] المساء بالصباح والغدو بالأصيل) (٣) فكان بلوغ الغاي في قرية عظيمة تعرف بالشاي (٤) حين هرم النهار وشاخ ، وسكن حره وباخ ، وقد أعيى الركب وباخ ، فنزلنا بها بمرج أفيح ، فيه للعيون مسرح ، وللنواظر مسنح ، وظل دوحات نتفيأ منها الظلال ، عن اليمين تارة وأخرى عن الشمال ، فبتنا به والزهر أنضر من الندى ، في ظل أخضر بارد الأنداء : [من الكامل]
والليل يخفي نفسه في نفسه |
|
والصبح كشّاف (٥) كل غطاء |
وكأنما الإصباح تنثر مهرقا |
|
أثر المداد به من الأمساء |
فما صحت العيون من نشوة رقادها ، إلّا لتغريد الطيور في أعوادها ، فبادرنا لأداء الفرض مسارعين فما منّا إلّا متوض أو مصل.
ثم رحلنا قاصدين قرية نسق لي ، فوصلناها حين تضاحى النهار ، وتصاحى بعد الإسكار ، وتهلل وجهه واستنار ، فما استقرّ بنا القرار ، ولا ضمّتنا أطراف تلك الدار
__________________
(١) سقطت هذه الكلمة من الأصل.
(٢) الحيعلة : قول «حي على الصلاة» في الأذان.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (ع) ، وفي النسخة (م) كتب على الهامش فذهب نصفه.
(٤) وردت هذه العبارة في (ع): «فكان بلوغ الفال في قرية تعرف بالمال».
(٥) وردت في (ع): «لسان».