رحلنا من [١٦٦ ب] ذلك المكان المذكور ، وقد استنارت بالقمر ظلمة الدّيجور ، وسرنا في مسالك وعرة ، وشعوب متشعبة مضجرة ، وإهباط وإصعاد ، وإغوار وإنجاد ، ثمّ اكفهرّ وجه السماء وتغيّر ، ودمدم الرعد وزمجر ، وأومض البرق من الغرب والشرق ، وهبّت الرياح نشرا ، وأقبلت السحب زمرا ، فرجفت القلوب ، وأحسّت بملاقاة الكروب ، واستمرّ ذلك التهديد ، وتواتر من الرعد الوعيد ، واختلفت آراء الريح ، وجاد الغمام بماءه (١) جود الشحيح ، ثم أقشعت السماء ، وارتفعت تلك الأنواء ، وتفرّق (٢) جمع السحاب ، وتمزّق منه الجلباب ، وأسفر وجه القمر من لثام الغمام ، وأزهرت الزهر كالزهر تفتح عنه الكمام (٣) ، فزالت تلك الكروب ، واطمأنت بحمد الله القلوب ، ولم نزل نسير إلى أن أظلّ التنوير ، وجسر الصبح المنير : [من البسيط]
ولاحت الشمس تحكي عند مطلعها |
|
مرآة تبر بدت في كف مرتعش |
فانحدرنا من تلك العقبة ، وسرنا في أرض مستوية مصطحبة (٤) [١٦٧ أ] بين أشجار كثيرة الظلال ، وأنهار تجري بماء زلال ، ثم تلقّانا بر (٥) واسع الفجاج والشعاب ، كثير العجاج والتراب ، طويل المساحة ممتد الساحة ، لا يبلغ الطرف منتهاه ، ويكلّ الطرف عن بلوغ مداه ، فلم نزل نسير به من بكره ، إلى أن أبدى النهار حرّه وأضطرم (٦) جمره ، فقيلنا حينئذ بخان يغره ، ثم رحلنا منه متوجهين إلى تلقاء (٧) بلدة
__________________
(١) سقطت هذه الكلمة من (ع).
(٢) وردت في (ع): «وتولى».
(٣) وردت في (ع): «المكام».
(٤) وردت في الأصل : «مسطحبة» ولعلها صوابها مسطحة.
(٥) وردت في (م) و (ع): «موضع».
(٦) وردت في الأصل : «وأضرم».
(٧) وردت في (م) و (ع): «نحو».