بدّا من الرحيل ، واحتساب الصبر الجميل ، فلمّا تعالى النهار وتصاحى ، وتلألأ وجهه وتضاحى ، نزلنا بشاطىء نهر يقال له سارسينا ، قد فاق بعذوبته وخصره على مياه (١) تلك البلدان وأربى : [من مجزوء الرّمل]
وعليه الشمس قد |
|
ألقت شعاعا كاللهب (٢) |
شبه مس أخضر |
|
عليه حلى من ذهب |
فنزلت في فنائه كي [١٦٢ ب] أزيح العلة ، وأنفع ببرده الغّلة ، فتضاعف حر الحمّى ولم يبرده ذلك الماء ، ثم لم نجد بدّا من الجدّ في المسير ، وإن اجتمع هجير الحمّى والهجير ، ولم نزل (نواصل السير ليلا ونهارا ، ونتابع السرى إظلاما وأقمارا) (٣) ، ونجوب تلك الفيافي والقفار ، أناء الليل وأطراف النهار ، وكلّما تذكرت (٤) البلاد انقلب العذاب عذبا أو الأهل والأولاد وجدت سهلا ما كان صعبا ، وقد اشتدّ التعب والعناء ، وتحكّم الألم والضنى ، وكاد أن يستولي على الهيكل الفناء : [من المتقارب]
ولذّة جسمي بذاك الضّنى |
|
وراحة قلبي ذاك الألم (٥) |
ومدّة هذا الهيام ثلاثة من الأيام إلى أن أدّت بنا الرحلة إلى البلدة المعروفة
__________________
(١) وردت في (ع): «قناه».
(٢) وردت في (ع): «كالذهب».
(٣) ما بين القوسين ساقط من (ع) ، وكتب في (م) على الهامش.
(٤) وردت في (م) و (ع): «بدأت».
(٥) البيت في تاج المفرق ١ : ٢٧٩ بلا عزو.