فما حصل منها الانفصال ، ولا انقطع تتابع السير والاتصال ، حتى آن وقت الزوال ، وامتدّ الظلّ ومال ، فنزلنا في مكان كالبستان ، به أشجار صنوان وغير صنوان ، وعيون باردة سارحة متطاردة ، فارتمينا (١) في ذلك المكان وأرحنا تعب الأبدان ، ولكن لم يحصل لي راحة لاشتداد (٢) الحمى ولم يبرد حموها برد ذلك الماء ، ولم نزل نحثّ السير والسرى ، ونعاصي الراحة والكرى ، [١٦٥ أ] والعلا يذوب من كدّنا خجلا ، والنجم يرعد من سرانا وجلا ، والحرور تعجب من تجرينا عليه والسموم يتحول (٣) من أقدامنا لديه ، ونحن نقاسي كرب الزمان ومحنه ، وقد أمضى كل منّا راحلته وبدنه ، وأضاق ذكرى وطنه وسكنه عطنه ، إلى أن وصلنا ظهر يوم الأحد سادس عشرة مدينة أدنة ، فنزلنا بها في عمارة لابن رمضان مستحسنة (٤) ، وألقى كلّ منّا عصاه وخلع رسنه ، وغشيه ممّا قاسى النعاس أمنه ، واستمرينا ثلاثة أيام في تلك الأمكنة ، ثم برزنا يوم الأربعاء تاسع عشر (٥) الشهر إلى ظاهر المدينة بشاطىء النهر ، وقد صحبنا من تلك البلدة جماعات من الرفاق عدّة ، فلمّا تكامل عدة النفر عزمنا بهم على السفر ، ثم رحلنا بالقوم بعد الظهر في ذلك اليوم (وقد حضر سمومه وغاب نسيمه) (٦) ، ثم سرنا نساير السبيل ، ونقطع ميلا بعد ميل ، إلى أن تجاوزنا الأصيل ، وأظلّنا ليل كظهر الفيل ، فنزلنا حينئذ [١٦٥ ب] بالمصّيصة على شاطىء جيحان ، حين آن وقت العشاء وحان (٧) ، فحين نزلنا عن ظهور الدواب وحللنا عنها ، وقعنا وقعة لا أحلى عند المسافر منها ، فلم نستفق إلّا والليل قد شابت مفارقة ، وأزهرت مغاربه ومشارقه ، وقد تخلّق الشرق بدرعه المزعفر ، وضرب في علياه رنكه
__________________
(١) وردت في (ع): «فارعينا».
(٢) وردت في (ع): «لاستدوا».
(٣) وردت في (م) و (ع): «تتأوه».
(٤) وردت في (ع): «فسيحة».
(٥) وردت في (م) و (ع): «تاسع عشرين».
(٦) ما بين القوسين ساقط من (ع) ، وكتب في (م) على الهامش.
(٧) وردت في (م) و (ع): «وحال».