ليلة الأحد سادس عشر الشهر سروة فوصلنا مدينة قونية (١) ضحوة ، والشمس قد اكتسبت بعد ضعفها قوة ، وانجلت في حللها المذهبة أجمل جلوة ، وارتقت من أوجها ذروة ، وارتفعت عن مشرقها قدر غلوة ، ومن متن برجها صهوة ، وكست الأرض والجبال من روق ضيائها أحسن كسوة ، ومدينة قونية مدينة غرّاء وأرض خضراء ، ذات تربة زكية ، ونفحة ذكية ، ورياض أنيقة ، وأشجار نضرة وريقة ، ومحيا صبيح ، وترتيب مليح ، أسواقها مرضية ، وخاناتها فضيّة ، ومساجدها وضيّة ، وعيشتها رضية ، وزمانها ربيع ، وجنابها رفيع ، ونسيمها وان ، وجنانها دان ، وقاطنها بحبها [٤٧ ب] عان ، وليس لها في مزية الحسن بين البلاد القرمانيّة ثان ، وبها مساجد متعددة ، وعمارات متجددة ، وجامع عتيق ، ذو معهد أنيق ، وبناء وثيق ، ومقام رجل مشهور بالولاية يقال له ملا خنكار (٢) ، يقام عنده وقت كل جمعة يضرب فيه بالدف والمزمار ، ويحيط بها سور عظيم ، ذو بناء قديم ، به شخوص وأشباح ، وجسوم تكاد تنطق لو لا فقدها الأرواح ، وعلى بعض أبوابها (٣) صورة إنسان ، متصلة أقدامه ببعض حجارة البنيان ، فهذا هو المنكر الذي لا نرضاه ولا حول ولا قوة إلّا بالله ، وهي الآن سرة بلاد (٤) قرمان ، وقد كانت تخت الملك في قديم الزمان ، وقد انتشأ بها جماعة من الصّوفيّة ، ومن أئمة الفقهاء الشّافعيّة والحنفيّة ، ومنهم شيخ الإسلام فخر القضاة والحكام (القاضي علاء الدّين وولده العلّامة محبّ الدّين وشيخ الصّوفيّة الإمام صدر الدّين ، أعاد الله تعالى من بركاتهم علينا وعلى المسلمين) (٥) ، [٤٨ أ] فنزلنا خارجها بمرج من تلك المروج ، به ربيع تمور به الريح وتموج ، وبعض غدران مياه
__________________
(١) قونية : من أعظم مدن الإسلام بالرّوم ، وهي كرسي بلاد قرمان ، وبها قبر أفلاطون الحكيم. انظر : معجم البلدان ٤ : ٤١٥ ، أخبار الدول ٣ : ٤٤١ ، صبح الأعشى ٥ : ٣٥٢.
(٢) ملاخنكار : هو محمد بن محمد بن الحسين ، جلال الدّين الرومي ، فقيه حنفي ، ولد في بلخ ورحل إلى بغداد ثم إلى قونية وبها استقر ، توفي سنة ٦٧٢ ه. (أعلام الزركلي ٧ : ٣٠).
(٣) وردت في (ع): «أنواعها».
(٤) وردت في (ع): «ببلاد».
(٥) ما بين القوسين ساقط من (م) وفي (ع) ترك الناسخ مكانه بياضا.