المكان المركب على العين صبيحة رابع عشرين الشهر ، وهو يوم الاثنين في وهاد وتلال ، وحجارة ورمال ، وغياض وأشجار ، ومياه كالأنهار ، ودربندات هنالك وعرة المسالك بعيدة المدارك ، كثيرة الهبوط والصعود ، والتهائم والنجود ، والغبار يكحل بإثمدة الأبصار ، فيكاد أن يفقدها حاسة الإبصار ، ويدخل في الخياشيم ، فيحول [٥٢ ب] بينها وبين روح النسيم ، ويكسو الأجساد ثيابا لم تعن فيها يد خياط ، ولم يلج فيها سم الخياط ، حتى يدع البياض سوادا ، ويدر على المللونات من قتامة رمادا ، فلم نزل نحثّ مطايا السير والسرى ، ونريق من كاسات العيون طلا الكرى ، ونحن كما قال بديع الزمان ، وعلامّة همدان : [من الطويل]
كأنا على أرجوحة في مسيرنا |
|
لغور بنا تهوي ونجد بنا تعلو |
كأن السّرى ساق كأن الكرى طلا |
|
كأنّا لها شرب كأنّ المنى نقل |
كأنا جياع والمطيّ لنا فم |
|
كأنّ الفلا زاد كأن السّرى أكل |
كأنّ ينابيع الثرى ثدي مرضع |
|
وفي حجرها منّي ومن ناقتي طفل (١) |
حتى وصلنا إلى مدينة (٢) ينكي شهر (٣) ، يوم الثلاثاء خامس عشرين الشهر ، وهي بلدة نضيرة لطيفة صغيرة ، جميلة المنظر ، جليلة المخبر ، ذات أسواق موفورة ، ومساجد معمورة ، وخارجها نهر كبير ، ذو ماء كثير ، عذب زلال نمير ، خضناه وقطعناه ، وركبناه [٥٣ أ] وما رهبناه ، واستصحبناه وما استصعبناه ، وهو يلتوي تحتنا
__________________
(١) الأبيات في معاهد التنصيص ٢ : ٢٣٣.
(٢) وردت في (م) و (ع): «بلدة».
(٣) ينكي شهر : مرّ بها الرحالة المشهور بكبريت وذكرها «ينكي خان» ومعناه : الخان الجديد ، كما ذكرها القرماني عرضا : يكي شهر ، انظر : رحلة الشتاء والصيف ١ : ١٩٠ ، وأخبار الدول ٣ : ٣٧.