الإباحة ، فألقينا المراسي وقت العصر بوسط الباحة ؛ لكي يحصل لنا من تلك الحال الراحة ، فما ازداد القلب إلّا خوفا وفرقا ، والعين إلّا سهادا وأرقا ، والحلق إلّا غصة وشرقا ، والفؤاد إلّا اضطرابا وقلقا ، وقد أثارت الريح من الموج حنقا ، ومشت عليه خببا وعنقا ، فأعادته كالبنان ، وأصارت المركب فوقه يتلاعب كقضيب البان ، حتى آليت ألّا أودعها تحية ، ولا يورثني هبوبها أريحيّة.
وبتنا ليلة الأربعاء بين تلك الأمواج ، ونحن في غاية الاضطراب والارتجاج ، وأقمنا بذلك المحل إلى أن قوضت خيام الليل ورحل ، وسل صارم الفجر من قرابه ، وتجلّى النهار في جوهري أهابه ، وأسفر من المشرق وجه الشمس يوح ، فجرت بنا السّفينة في موج كالجبال كجري سفينة نوح. [١١٢ ب] ومما جربنا فيه الفكر في هذا الحال ، وجرى به اللسان فنطق وقال ، أبيات على وجه المطارحة ، وهي لتلك الأحوال شارحة ، وفي تلك الميادين سارحة ، فقلت بيتا ثم بيتا إلى آخرها : [من الرّمل]
لي :
أزبد البحر هياجا ورغى |
|
وتعلّى وتعدّى وطغى |
له :
قلت لمّا جدّ فينا عزمه |
|
وجميل الصبر منّا استفرغا |
لي :
وبنا قد أنشبت أظفاره |
|
ولنا كشّر نابا قد شغا |
له :
وبغى إصلاح ما يحملنا |
|
بفساد الحال لمّا أن بغا |