نزل بذلك الحال حتى حلّ ذلك الوقت وحال ، ومضى يوم الجمعة بالتمام والكمال ، وتصرّمت بعده عدّة ليال ، فتزايد الكرب ، وذاب من نار الانتظار القلب ، وضنى الجسد والفؤاد ، من خلف الميعاد بعد الميعاد ، فذكرنا (١) ذلك لقاضي البلد ، فأحضرهما وتوعد ، وأنكر عليهما وتهدد ، وبالغ في ذلك وشدّد ، وأبرق في إيعاده وأرعد ، فقالا : لا عذر لنا بعد اليوم ، ولا إنكار ولا لوم ، ويوم الثلاثاء من كل بدّ يركب القوم ، ويأخذ مركبنا في السير والعوم ، وحلفا على ذلك وعاهدا ، وبالغا في أيمانهما وعهودهما وأكدا ، [١٢٨ ب] فحضرا يوم الثلاثاء يحثّان في المسير احتثاثا ، ويظهران أنهما لا يبديان للعهد انتكاثا ، وقالا : لم يوافق هذا النهار ريح موافق ولا رزكار (٢) ، وبعد يومين تنصلح الرياح غاية الانصلاح ، ويحصل رزكار موات (٣) للرواح ، وفي يوم السبتّ يكون السفر على البت ، فجاء السبت وانصرم ، واتقدّ جمر (٤) القلب واضطرم ، ثم مضى يوم الأحد ولم يحضر منهما أحد ، فلمّا كان ضحى يوم الاثنين حضر أحد الاثنين واعتذر بما لن ينفعه ، عذرا ما كان أصقعه (٥) ، وقال : نرسل في الغد صندلا (٦) لنقل الأسباب والأمتعة ، فلم نصدقه من كثرة ما كذب ، وأقمنا جدّه مقام اللعب ، فلمّا انجلى (٧) وجه الصباح وتهلل ، ظهر لنا من بعد ذلك الصندل (٨) ، ففرحنا به فرحنا بالمواسم ، وانتظرنا وصوله للثغر وثغر كلّ منا باسم ، وما علمنا أنّ هذا الفرح يعقبه بؤس ، وهذا البشر بديله عبوس ، فأنزلنا فيه في تلك الساعة
__________________
(١) وردت في (ع): «فذكر».
(٢) رزكار وروزكار : كلمة تركية بمعنى ريح ورياح ، انظر : شمس الدين سامي : قاموس تركي ص ١٣١٧.
(٣) وردت في الأصل : «موافق» وما أثبتناه من (م) و (ع).
(٤) سقطت هذه الكلمة من الأصل.
(٥) وردت في (ع): «أضعفه».
(٦) الصندل : بمعنى زورق أو قارب صغير ، سمّي بهذا الاسم لأنّه كان يصنع من خشب الصندل. انظر : شمس الدين سامي : قاموس تركي ص ٨٣٣.
(٧) وردت في (م) و (ع): «انحل».
(٨) وردت في الأصل : «هذا».