قال : ونا محمّد بن عبد العزيز ، ثنا ابن أبي الحواري قال : دخلت على أبي (١) سليمان الداراني وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك؟ قال لي : يا أحمد إنّه إذا جنّ الليل وهدأت العيون ، وأنس كلّ خليل بخليله ، وافترش أهل المحبة أقدامهم ، وجرت دموعهم على خدودهم أشرف عليهم الجليل فقال : ما هذا البكاء الذي أراه منكم؟ هل أخبركم أحد أن حبيبا يعذب أحباءه؟ أم كيف أبيت قوما وعند البيات (٢) أجدهم وقوفا يتملقوني؟ فبي حلفت أن أكشف عن وجهي يوم القيامة حتى ينظروا إليّ.
أخبرنا أبو بكر بن أبي نصر اللّفتواني ، أنبأ أحمد بن محمّد بن أحمد الأزهري ، أنبأ محمّد بن الحسين (٣) بن جرير ، نا محمّد بن يوسف بن نهار البغدادي ، نا أبو العباس الزّفتي ، نا أحمد بن أبي الحواري ، قال : دخلت على أبي سليمان الداراني فسلّمت عليه ، فقال : إليك عني يا بطال ، إن الله تعالى ينزل في كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول : كذب من ادّعى محبتي إذا جنه الليل نام عني ، كيف ينام حبيب عن حبيبه ، وإنّي لمطّلع عليهم إذا قاموا جعلت أبصارهم في قلوبهم ، فكلّموني على المخاطبة ، فأقول : بعيني من تلذذ بكلامي ، واستراح إلى مناجاتي. يا جبريل ، ناد فيهم لم هذا البكاء الذي نسمعه (٤) منكم؟ هل أخبركم مخبر عني أن حبيبا يعذب أحباءه؟ كيف أعذب أقواما إذا جنّهم الليل تملّقوني؟ (٥).
أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ـ وفيما قرأت عليه ـ عن أبي زكريا عبد الرحيم بن علي بن أحمد بن نصر.
__________________
الغافقي ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال :
دخلت على أبي سليمان الداراني في المسجد وهو قاعد يبكي ، قال : فبكيت لما رأيت منه ، ثم قلت : يا أبا سليمان ، ما بكاؤك ، لا أبكى الله عينيك؟ فقال لي ويحك يا أحمد وتلومني على البكاء؟ إنه إذا جنّ الليل ، وهدأت العيون وغارت النجوم ، ولم يبق إلّا الحي القيّوم وافترش أهل المحبة أقدامهم ، وجرت دموعهم على خدودهم ، وتقطرت منهم في محاريبهم أشرف الجليل تعالى عليهم ، ونادى جبريل : بعيني من تلذذ بكلامي ، واستراح إلى حلاوة مناجاتي ، وإني لمطلع عليهم أسمع أنينهم ، وأرى بكاءهم ، فلم لا تنادي فيهم ، يا جبريل : ما هذا البكاء الذي أراه منكم؟ هل خبركم عني أحد أن حبيبا يعذب أحبابه؟ كيف يجمل بي أن أعذب أقواما إذا جنّ عليهم الليل تملقوني فباسمي حلفت إذا وردوا عليّ يوم القيامة لأكشفن لهم عن وجهي الكريم حتى أنظر إليهم ، وينظروا إليّ.
(١) بالأصل : «دخلت أبا سليمان» والصواب عن م.
(٢) بالأصل : «أتيت ... البيان» والمثبت عن م.
(٣) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : الحسن.
(٤) كذا بالأصل وم ، وكتب محقق المطبوعة بالحاشية نقلا عن س (وهو أصلنا المعتمد) «سمعه» ووهم في ذلك.
(٥) عن م وبالأصل : باهوني.