الناس ، وأمر ببروجها وما بين كل برجين من الشرفات ، فحسب ، ثم فرق من فيها على كل برج بحصته وعدة من يكون بين كل برجين ، ومن يقوم على باب الميناء ، ومن يكون على بابها في البحر ، فاستقل عدة المقاتلة ، فأمر بألوان الثياب ، فأتي بها ، فألبس جماعة فشحن البرج وما بينه وبين الآخر من الشرفات (١) ، فلبسوا ألوانا من الثياب وعقد لرجل منهم ، وأمرهم (٢) أن يذهب بهم جميعا حتى يظهر على برج ، ويقيمهم على الشرفات ، فإذا رأوهم وعلموا أنهم قد شحنوا ذلك البرج بالرجال قاموا مليا ، ثم يثبت عدة منهم قياما ، ويحبس البقية ، فيرجعوا إليه ، فشحن البرج الثاني لونا آخر من الثياب جماعة ، وعقد لرجل منهم ، وأمره فصنع مثل ما صنع أهل البرج الأول ، حتى (٣) شدّ بروجه رأي العين ، فاستقصد من استقصد (٤) للباب والميناء ونزلت الروم فيما بين الميناء إلى النهر نحوا من ثلاثة أميال ، ثم أقبلت إلى ما يلي من البرّ ووجه المقابل فحفروا خندقا لهم ، وبنوا دون الخندق حائطا يسترهم من النشاب والمجانيق فقاموا خلفه ، ودنت طائفة بالدبابات حتى لصقوا ببرجها الشرقي ، فنقبوا (٥) وغلقوه ، فوافى نقبهم دواميس (٦) من عمل الروم تحت المدينة يدخل بعضها إلى بعض لا منفذ لها إلى المدينة ، فتحيروا فتركوه.
وأقبل عبد الرّحمن بن سليم الكلبي من بيروت وكان واليا على جماعة ساحل دمشق بالخيول مغيثا فوافى الذين على العقبة فمنعوه من الإجازة ، وأقبل أهل حمص في ستة آلاف عليهم الصقر بن صفوان حتى نزلوا مرج السلسلة ووافى جماعة من الروم على عقبة السلسلة وخرجت طائفة من الروم إلى كنيسة أطرابلس ، إلى خارج منها ليصلوا فيها ، فمروا بكنيسة اليهود ، فحرقوها فلما رأى ذلك الذي على عقبة وجه الحجر من النار أقبلوا على أصحابهم وخلوا العقبة حتى أتوا أصحابهم ، وقد أسروا أهل المدينة بطريقا يناسب طاغيتهم ، فهو في أيديهم ، فأعظموا ذلك ، وبعث عبد الرّحمن الكلبي حين اجتاز العقبة سعيد الحرشي ، وكان ديوانه يومئذ بدمشق إلى أهل أطرابلس يعلمهم مجيئهم ، فأشرف على نشز من الأرض ، فرآه أهل المدينة ، فأومأ إليهم بفتح باب المدينة ، وشد على صف الروم فخرقه ، ودخل المدينة ، فبشرهم بعبد الرّحمن بن سليم ومن معه ، وبعث الروم إلى عبد الرّحمن : ألا نجيزك إلى المدينة على أن ترد إلينا صاحبنا ونرحل عنك ، قال : ففعل على أن لا يغيروا على شيء من
__________________
(١) عن م ، وبالأصل : الآخرين.
(٢) كذا بالأصل وم ، وفي المطبوعة : وأمره.
(٣) في م : «حتى شك» وفي المطبوعة : حتى سدّ.
(٤) في م : فاستفضل من استفضل.
(٥) عن م ، واللفظة غير مقروءة بالأصل.
(٦) كذا ، والديماس : السرب المظلم.