النجف الأشرف يوم الأحد في النصف من شوّال فقد تجمهر الناس في الصحن الشريف ورفعوا الأعلام العربيّة وقاد كلّ زعيم قومه إلى الجهاد فجلا الإنكليز عن النجف واحتشد الجند بالكوفة فتوالت الثورات في أكثر نقاط الفرات الأدنى وخرجت السكّة الحديديّة من عدّة أماكن واتسع الخرق وضاق المجال بالإنكليز فأسر الثوّار منهم مائة وستّين بين الإنكليزي والهندي وجاؤوا بهم إلى النجف وحبسوهم في «الشيلان» وهي عمارة ضخمة معروفة في الطرف الشرقي من البلدة بالقرب من السور عمرها الحاج معين الإيراني في عهد الأتراك بقصد جعلها دار ضيافة للزائرين ولكن لم يتوفّق لذلك فبقيت مهجورة.
وكيف كان فقد اتسعت الثورة والتهب نارها في أكثر نقاط الفرات وتطوّرت بأطوار مختلفة من القوّة والضعف ، وتوفّي في أثناء الثورة الإمام الشيرازي رحمهالله وذلك في اليوم الثالث عشر من ذي الحجّة سنة ١٣٣٨ لمرض لازمه أيّاما قلائل فانتقلت الزعامة الدينيّة والرياسة العامّة إلى الإمام شيخ الشريعة الإصبهاني رحمهالله ولمّا طال أمد الثورة وبدت علائم الضعف على الثوّار واندحر بعضهم وتضعضت مراكز لهم وسلم بعض الزعماء وانقاد للسلطة البريطانيّة وتوفّرت جنود انكليزيّة في ساحات الحرب وخابت الآمال من عشائر دجلة لعدم اشتراكهم مع الفراتيين في القيام بالثورة استولى عليهم الإنكليز فدخل جيشه النجف يوم الثلاثاء الرابع من ربيع الأوّل سنة ١٣٣٩ بعد أن أخمد نار الثورة في الشاميّة واستولى على مراكز الثوّار هناك وشتّت شملهم ثمّ حاصر النجف وكانت مملوّة بالرجال والنساء الذين فرّوا من الجيش البريطاني الذي دمّرهم وأحرق منازلهم بنيرانه المنفجرة من طيّاراته الملحقة فوق رؤوسهم ، ولكثرة النفوس في البلدة ومنع الحكومة من إدخال الأطعمة والأشربة شحّت لوازم الإعاشة وأضرّ بأهلها الجوع والعطش إلى أن فرّج الله يوم الجمعة الثامن والعشرين من ربيع الأوّل سنة ١٣٣٩ وضربت