ممّا يقوّي العبد ويقرّبه إلى طاعة الله تعالى ؛ فإنّ الله عزوجل يحبّ العبادة بالاجتماع كما في صلاة الجمعة والجماعة والحجّ والجهاد والاعتكاف وحضور المساجد وصلاة الاستسقاء ، ولم يشرع الرهبانيّة والاعتزال وصوم الصمت فيكون البرّ منحصرا في التوجّه إلى محمّد وآل محمّد عليه وعليهمالسلام بل لا يمكن المعرفة والإقرار بالله تعالى إلّا بالنظر والتأمّل في آياته وعلاماته لأنّه أجلّ وأقدس من أن تدركه بغير ذلك ، كما قال الله عزوجل : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(١).
ومعلوم أنّه كلّما كانت الآية أعظم كانت المعرفة به تعالى أكمل ، وأيّ آية أعظم من محمّد وعليّ وذرّيّتهما الطاهرين ، فوجب حفظ آثارهم ونقل أخبارهم وعمارة مشاهدهم وإعلاء كلمتهم لكونهم أعلام ربّانيّة وآيات الهيّة كما قالوا : «بنا عرف الله ، وبنا عبد الله ، ولولانا ما عبد الله وما عرف الله».
ويشير إلى ما ذكرناه ما رواه الحفّاظ كالطبراني والحاكم عن ابن مسعود أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : «النظر إلى عليّ عبادة» ، فإذا كان ذكر عليّ عليهالسلام والنظر إليه عبادة فلا شكّ أنّ التوجّه به إلى الله عزوجل وتعظيم مرقده والوفود إلى مشهده للزيارة والاستشفاع به والتبرّك بضريحه من أنواع ذكره ، ولا يفرّق عاقل في النظر إلى وجهه وجسد بين كونه حيّا أو ميّتا ؛ لأنّ النظر لا يقع إلّا على الجسد ، وحيث علم المناط وهو التوجّه إليه برأفة ومودّة لم يفرّق بين النظر إلى جسده ميّتا ومرقده وقبّته ، وكلّما ينسب إليه. وكما أنّ حقوق محمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين ثابتة في حال حياتهم على الأمّة فكذلك بعد موتهم ، ومن حقوقهم احترام مشاهدهم وعمارة مراقدهم وتعظيم قبابهم من غير فرق بين البقعة النبويّة وبين
__________________
(١) فصّلت : ٥٣.