المسلمين بحكم التوراة وفي القرآن : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ)(١)؟
فقال أيّده الله تعالى : إنّه لمّا ثبت عندنا نبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآله ونسخه للشرايع السابقة كان الواجب علينا اتّباع هذه الشريعة الناسخة دون الشرايع المنسوخة ، فهذا مثل ما وجب عليكم من اتّباع شريعة موسى على نبيّنا وعليهالسلام والعمل بما في التوراة دون ما تقدّمها من الأديان والشرايع والكتب ، وقد بقي جملة من أحكام التوراة لم تنسخ كأحكام القصاص والجراح وغيرها ، فنحن نحكم بها لوجودها في القرآن ، لا لوجودها في التوراة.
فقال : ما معنى قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها)(٢)؟ وأيّ فرق بين النسخ والإنساء؟ وما الفائدة في نسخ الشيء والإتيان بمثله؟
فقال أيّده الله : الفرق بين النسخ والإنساء أنّ النسخ رفع الحكم وإن بقي لفظه ، والإنساء رفعه برفع لفظه الدالّ عليه وإنساؤه محوه من الخاطر بالكلّيّة ، والمراد بالمثل هو الحكم المماثل للأوّل بحسب المصلحة بحيث يساوي مصلحته في زمانه مصلحة الأوّل في زمانه لا أن تتساوى المصلحتان في زمن واحد حتّى يلزم خلوّ النسخ عن الفائدة.
فضحكوا وتعجّبوا من جودة جوابه وحسن محاوراته في خطابه.
ثمّ قال أيّده الله تعالى لهم : يا معشر اليهود ، لو علمنا لكم ميلا واعتناءا بطلب الحقّ لأتيناكم بالحجج الباهرة والبراهين القاهرة لكنّي أنصحكم لإتمام الحجّة وأوصيكم بالإنصاف وترك التقليد واتّباع الآباء والأجداد وترك العصبيّة والحميّة
__________________
(١) المائدة : ٤٤.
(٢) البقرة : ١٠٦.