والعناد ، فإنّ الدنيا فانية منقطعة ، وكلّ نفس ذائقة الموت ، ولا بدّ للعباد من لقاء الله تعالى وهو يوم عظيم ليس بعده إلّا نعيم مقيم أو عذاب أليم ، والعاقل من استعدّ لذلك اليوم واهتمّ به ، وشمّر في هذه الدار لتصحيح العقائد والقيام بما كلّف به من الأعمال ، وتأمّل في هذه الملل المختلفة والمذاهب المتشعّبة ، وإنّ الحقّ لا يكون في جهتين متناقضتين ، وأن لا عذر لأحد في تقليد أب أو جدّ ، ولا الأخذ بملّة أو مذهب بغير حجّة ولا دليل ؛ فالناس من جهة الآباء والأجداد شرع سواء ، فلو كان ذلك منجيّا لنجا الكلّ وسلم الجميع ، ويلزم من ذلك بطلان الشرايع والأديان وتساوي الكفر والإيمان ، فإنّ الكفّار وعبّاد الأوثان يقتفون آثار آبائهم ولا عذر لهم في ذلك ، ولا ينجيهم التقليد من العطب والمهلك ؛ فانقذوا أنفسكم من عذاب النار وغضب الجبّار يوم تبلى السرائر وتهتك الأستار ، ولا ينفع هنالك شفيع ولا حميم ولا ناصر ولا مجير.
فعليكم بالتخلية عن الأغراض المانعة من التوجّه إلى الحقّ والعلل الصارفة عن الرشد ونزع النزوع إلى مذهب الآباء والأجداد ، والتوجّه إلى ربّ العباد والاجتهاد في طلب ما ينجي من عذاب يوم المعاد ، وذلك يحتاج إلى رياضة للنفس نافعة ، ومجاهدة لها ناجعة ، وقد قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)(١) وذلك نطق كلّ كتاب منزل ، وجاء به كلّ نبيّ مرسل ، ودلّ عليه كلّ عقل سليم ، وهدى إليه كلّ نظر ثاقب مستقيم. فالله الله في عقائدكم فاصلحوها ، وفي أعمالكم فصحّحوها ، وفي أنفسكم فانقذوها ولا تهلكوها ، فما لأحد غير نفسه ، عند فراق روحه وحلوله في رمسه ، وما أريد بكلامي هذا إلّا النصح لكم ما استطعت ، وإن كنتم لا تحبّون الناصحين.
__________________
(١) العنكبوت : ٦٩.