فاشتغلت بالمعالجة أيّاما فلم يفد ، فارتحلنا إلى سرّ من رأى قاصدا أن أقيم فيها عشرة أيّام وفاء لعهدي السابق ، فاكتريت العربيّة وهي خير مركوب للمسافر في تلك الأيّام فبينما نحن سائرون اشتدّ الرمد أضعاف ما يكون لحركة العربيّة والغبار وحرارة الهواء ، فلمّا وصلنا سامرّاء أخذت الصبي على الفور وجئت به إلى قدس الحكماء المعروف بحافظ الصحّة وكان أفلاطون عصره ، انتخبه الميرزا الكبير قدسسره وأسكنه في سامرّاء لرفاهيّة المراجعين إلى الطبيب. فاشتغل بالمعالجة فما أفاد ، فقال لي : يجب عليك أن ترجع إلى الكاظميّة وتذهب إلى بغداد عند الدكتور الفلاني فإنّه متخصّص في معالجة الرمد ، فعجّل بالمسير فإنّ المرض خطر.
قال : فلمّا سمعت هذه المقالة اظلمّت الدنيا عليّ ودارت عيناي وكاد أن ينصدع قلبي لأنّه لا ولد لي غيره ومع ذلك كلّه كنت مشتغلا بالدعاء والزيارة في الروضة البهيّة والسرداب المطهّر وفاء لعهدي السابق.
فلمّا مضت من مدّة إقامتي سبعة أيّام اشتدّ وجع عين الصبي بحيث أنّه ما هدأ من صراخه وبكائه ، وما ذاق أهل الدار طعم الرقاد بل ولا جيراننا في تلك الليلة ، فلمّا أصبحنا راجعنا حافظ الصحّة أوّلا والتمسنا حضوره ، فلمّا حضر وفتح عين الصبي تغيّر وجهه وضرب كفّه على كفّه وجعل يتأوّه ثمّ عاتبنا بكلّ لسان وقال : أنتم أعميتم عين هذا الصبي لأنّي وصّيتكم أن تعجّلوا في الرواح إلى بغداد فنبذتم وصيّتي وراء ظهوركم ، ثمّ وصّيتكم ثانيا وثالثا ، وبيّنت لكم أنّ المرض خطر فلم تكترثوا بقولي ، فأمّا الآن فرواحكم إلى بغداد أيضا لا يفيد لأنّ الصبي عمي ، وكان اضطرابه ووجعه لأجل الغدّتين اللتين حدثنا في عينيه وهما أفسدتا إنسان العين.
قال : فلمّا سمعت هذه المقالة اضطربت اضطرابا شديدا وبقيت كالجسد الذي لا روح فيه ، فالغدّتان برزتا من عيني الصبي مثل اللوزة قأعادهما قدس الحكماء بصعوبة في العين فغشي على الطفل من كثرة الوجع.