فاشتهر أمر الصبي عند سماحة الإمام العلّامة حجّة الإسلام الميرزا محمّد تقي الشيرازي طاب رمسه وعند سائر الهيئة العلميّة بسامرّاء ، وكانوا يتأسّفون ترحّما عليّ ، فلمّا انتهت مدّة إقامتي بسامرّاء اكتريت عربيّة وعزمت على الحركة وتشرّفت لزيارة الوداع في الروضة البهيّة وجلست بعد الزيارة عند رأس الإمامين عليهماالسلام مشغولا بقرائة زيارة عاشوراء ففي خلال ذلك دخل خادمنا الحاج فرهاد إلى الروضة البهيّة ومعه الصبيّ فانكبّ لتقبيل العتبة وجعل يمسح وجه الصبي وعينيه بالعتبة المقدّسة وكانتا معصّبتين بعصابة ، فأدخل الصبي في الروضة واشتغل بزيارة الوداع وجعل يمسح وجه الصبي بالشبّاك المطهّر ثمّ خرج.
وكنت أنظر هذه الحالات ، وأنا مشتغل بزيارة عاشوراء ، فتذكّرت حال الصبي وما جرى عليه وإنّه دخل سامرّاء بصيرا ويخرج وهو أعمى فتغيّر حالي وجرت دمعتي وعلت صرختي من غير اختيار وارتعدت فرائصي وتهيّجت أحزاني ، فنسيت ما أنا فيه من زيارة عاشوراء فنهضت مسرعا إلى الشبّاك في نهاية الجزع والانكسار وتكلّمت بما هو خلاف الأدب وقلت : يا سيّدي ، أمّا أنا فقد وفيت بعهدي وأمّا أنتما أفترضيان أن أجيء إليكما بولدي بصيرا وأرجع من عندكما وهو أعمى؟ فلم أزل أخاطبهما بأمثال هذه الكلمات مع الأنين والصراخ إلى أن قلّت عبرتي وهدأت زفرتي ، فرجعت إلى مكاني لأتمّم زيارة عاشوراء ، فإذا بالصبي قد دخل الروضة البهيّة وخاله من ورائه ، فجاء الصبيّ حتّى جلس على ركبتي وقال : يا أبتاه ، عيّني برئت وصحّت ولا يوجد بهما رمد ، فنظرت متعجّبا مندهشا فرأيتهما صحيحين لا يوجد بهما آثار الرمد ولا الحمرة مع أنّهما مشدودتان منذ عشرة أيّام ، والغدّتان البارزتان منهما مثل اللوزتين والصبي لا يرقد ليلا ولا نهارا ، فسألت عن خاله : ما الخبر ، وما مضى من خروجك من الروضة إلّا أقلّ من ربع ساعة والصبيّ كان على ما به من الرمد مشدود العينين؟