إليّ أصلا ، فجلست هنيئة فضاق خلقي فقمت إليه ثانيا وذكرت له بعض ما يسوءه ، فلم يشعر بي وظنّي أنّه ذكر المرّة الثالثة قال : فأخذت الكتاب من يده وأغلظت القول معه فلم يلتفت إليّ كأنّه لم يسمع كلامي وهو على ما عليه من التأنّي والبكاء والخشوع.
قال : فلمّا أخذت الكتاب منه وجدت عيني لا تبصر شيئا أصلا ، فاجتهدت في ذلك فوجدتها عمياء ، فقرّبت نفسي إلى الباب وأخذت بطرفيه منتظرا لخروجه ، فلمّا فرغ من الزيارة مشى إلى خلف الضريح وزار السيّدة نرجس والسيّدة حكيمة وأنا أسمع كلامه ، فلمّا وصل إلى الباب قاصدا للخروج أخذت ثوبه وتضرّعت إليه وأقسمت عليه أن يتجاوز عنّي ويردّ بصري إلى ما كان ، فأخذ منّي الكتاب وأشار إلى عيني فصارت كالأولى كأنّها لم تكن عميا ، فسرحت طرفي فلم أجد أحدا في الرواق ولا في خارجه.
وقد نظم هذه القصّة العلّامة السماوي دام وجوده في وشايح السرّاء (١) ، فقال :
وقد روي عن خادم الشعاع |
|
محمّد المعروف بالشمّاع |
عن شاهر أخي الحسين الخازن |
|
وكان في المقام كالمعاون |
قال رأيت ذات ليلة فتى |
|
في وقت سدّ الباب مسرعا أتى |
فقلت في نفسي هذا عجل |
|
وخير ما أعمل أنّي أمهل |
فظلت واقفا وظلّ يدعو |
|
فضاق منّي بدعاه الذرع |
وقلت قم واخرج فزار الجامعه |
|
مرتّلا في الكلمات الناصعه |
مردّدا في عبرة مقاله |
|
كأنّي لم أطلب استعجاله |
وزدته فلم يكن يرتاب |
|
وكان في يمينه كتاب |
__________________
(١) وشايح السرّاء : ١٩.